"في مرحلة ما من هشاشةٍ نُسَمَّيها نضجاً، لا نكون متفائلين ولا متشائمين، أَقلعنا عن الشغف والحنين وعن تسمية الأشياء بأضدادها، من فرط ما ألتبس علينا الأمر بين الشكل والجوهر، ودرَّبنا الشعورَ على التفكير الهادئ قبل البوح".*وصلنا متأخرين، لـمحمود درويش.
منذ أسبوعين خلت كان الوضع في قسم الخدمة الاجتماعية أشبه بوضع البورصة قبل الإغلاق، توتر واضطراب وحركة داخلية مريبة وغير مسبوقة، حيث وعلى ما يبدو أن شكواي وتذمري الدائمين حول الركود وعدم الأهمية التي نحظى بها في المستشفى قد آتت أكلها، إذ استيقظت إدارة المستشفى _في ليلة ما فيهاش ضو قمر.. وقررت أن تنظر لـ_أبناء الصفيح_ وتطالبهم بتنظيم عملهم وتقديم ما يثبته وهذا ما لم يحسب حسابه قبلاً، مما جعل الأمور داخل القسم تخرج عن توازنها، ولا نعلم صراحة حتى الآن كموظفين ما الذي يجري فعلياً داخل أروقة القسم؛ ولكننا نلمح الزوبعة من بعيد ونخمن محتواها دون فهم واضح لمجريات الأمور.
من جانب آخر فإن الحركة السابقة الذكر قد ألقت بظلالها على عملي في الأقسام التي أُغطيها، فأضحت الإحالات التي لم أشهدها في النظام على مدار سبعة أشهر خلت، موجودة وبكثافة في اليومين الماضيين فقط !
وكأن رؤساء التمريض في تلك الأقسام تعرفوا على أيقونة التحويل إلى الأخصائي الاجتماعي في النظام حديثاً وأعجبتهم، فباتوا يستخدمونها لكل الحالات أياً كانت.. مريض يشتكي من النظام الغذائي يتم تحويله للأخصائي الاجتماعي، مريض يحتاج إلى تحويل لمستشفى آخر يتم تحويله إلى الأخصائي الاجتماعي، مريض يحتاج التوقيع على أوراق عملية ما يتم تحويله إلى الأخصائي الاجتماعي أيضاً..!
دون أي اعتبار لوجود اختصاصات آخرى معنية بالأمر، أو حتى اعتبار لأي منطق.حتى تلك الإحالات التي هي من صميم عمل الأخصائي الاجتماعي فعلاً اكتشفت حين مباشرتها أنه كان بالإمكان التعامل معها من قبل أي طبيب دون الرجوع إلينا، ولا بأس في التحويل لنا؛ لكن أن نترك لمقابلة الحالات دون أن يتم تزويدنا بأي من الأدوات الوقائية كحد أدنى يعد أمر غير مقبول إطلاقاً، خصوصاً في أقسام الحالات الحرجة حيث تكاد لا تخلو من حالات كورونا، بل إن أغلب الإحالات للأخصائي الاجتماعي كانت لتلك الحالات أساساً، وكأن الأخصائي يملك درع وقائي ضد الفايروسات والأمراض المعدية ليترك هكذا دون أدنى اهتمام من هذا الجانب.
أما فيما يخص الإحالات التي لا تمت لقسمنا بصلة أصبحت و باجتهاد شخصي أرشد التمريض فيها إلى القسم المعني بالأمر عقب أن أقوم بكل ما يمكنني القيام به مع الحالات، مع التأكد تماماً بأن الموضوع خارج نطاق صلاحياتنا حتى أُعفي القسم وإياي من معرة انتقادات إدارة المستشفى اللانهائية.
الأمر برمته أشبه بوضع منسقي الأغاني _the DJ _ الذين يعملون في حفلات صاخبة تتسم باللاتنظيم، أو وضع مايسترو في جوقة موسيقية غير محترفة، أو لاعبي خط الوسط في فريق كرة قدم يلعب في دوري للهواة لا يلتزم فيه اللاعبين بمراكزهم أو بتعليمات المدرب، بإختصار الوضع العام يمثل التعريف الحقيقي لمعنى كلمة فوضى.
وعلى قدر ما يحمله هذا الوضع من توتر وضغط، كون أدوار الأخصائي الاجتماعي في هكذا مهام غير واضحة، لكنني سعيدة _نوعاً ما_ كوننا عدنا إلى خارطة المستشفى حتى بتنا نُطلب في كل حين ولأي شيء، أشعر بالغبطة من فرط ما أصبح لنا من أهمية مؤخراً، حتى لو كان هذا الاهتمام بمثابة اهتمام روز بتقارير مارد وشوشني في فيلم "شركة المرعبين المحدودة".
أنا سعيدة حالياً كوننا نُطلب لتقديم المساعدة أياً كانت، وأكثر ما أخشاه أن يعود الوضع لسابق عهده من إهمال وعدم اكتراث لمجهوداتنا ووجودنا.
"فرحاً بشيءٍ ما خفيِّ،
كُنْتُ أَحتضن الصباح
بقُوّة الإنشاد،
أَمشي واثقاً بخطايَ،
أَمشي واثقاً برؤايَ.
وَحْيٌ ما يناديني: تعال!
كأنَّه إيماءةٌ سحريّةٌ.."*فرحاً بشيء ما خفي، لـمحمود درويش.
أنت تقرأ
مذكرات اخصائية اجتماعية
Tiểu Thuyết Chungهنا سرد لليوميات العادية لاخصائية اجتماعية بسيطة، في محاولة لاستعادة التوازن في كل يوم.. ومواجهة كل التحديات بصدر رحب.. هنا أنا: من يواسي نفسه.