في كل مره أُعيد فيها مسلسلاتي القديمة والتي يستيقظ أبطالها كل صباح على صوت فيروز ورائحة القهوة، أسأل نفسي: ما ضرني لو كنت مثلهم؟ لكنّي أعود إلى رشدي لأجيب نفسي: ما كنت مثلهم وما ضرني..
وإن فعلت...
ما فائدة الاستيقاظ المبكر على رائحة الهال وجارة القمر؟! ما الإضافة العظيمة التي سيضيفها هذا المشهد السريالي على تفاصيل يومي؟ يبدو هذا المشهد في أحسن الأحوال كمشهد عازفي الاوركسترا على ظهر سفينة تيتانك، ثم ما يلبث أن يتلاشى وتلاطمه أمواج المحيط.
المحيط الذي بات يبتلعنا دونما نشعر..
استيقظ في كل صباحاتي _إلا ما ندر_ بجسد منهك وقوى خائرة، أقوم بكل ما يجب عليّ فعله بشكل آلي وبعينان نصف مغمضتان، في أقل من 10 دقائق، لأكون بعدها جاهزة بالكامل لبدء نهاري السعيد.
وأخرج...
وكلما قطعت هذا الطريق الطويل _القصير بحكم التعود_ ومع كل يوم يزداد شعوري بالغربة والغرابة والخواء، اتأمل الدمار عن يمينٍ وشمال واسأل: أين أيني الآن؟ هل أنا حي؟ أم نحن ميتون؟ أحاول أن أغمض عيناي واستحضر مشاهد لبساتين طبيعية شاسعة شاهدتها في وثائقي (دوامة الحياة)، أحاول أن اسقطها في ذهني على ما أراه.. اتمنى لو أستطيع السير بنظارات الواقع المعزز طوال اليوم؛ لكن كل هذا لا يجدي نفعاً، وأعود لأتقبل الواقع الذي ينهش قلبي كل يوم كفئران الحقول.
ثم أصل إلى عملي، وأنا على ما كنت عليه أول النهار: جسد منهك.. قوى خائرة.. عينان نصف مغلقتان.. وخواء يسد الأفق.
ظاهرياً أبدو لمن يشاهدني للوهلة الأولى كحيوان (الكسلان) عينان زجاجيتان لا تعكس شيئاً، بطء في الكلام، في الاستيعاب، وفي ردات الفعل، عدا أني أسير بسرعة الفريسة الهاربة.
داخلياً أشعر بأني غير موجودة، غير مرئية، تماهيت تماماً مع فكرة كوني شبح، لذا غالباً اتفاجئ عندما يوجه شخص عابرٌ كلامه لي وأقول في نفسي: كيف يراني!؟
وأمضي...
يتلخص بقية نهاري في متابعة أعمال الحانوتي المعتادة، ما يزيد عليها أن المشاهد التي حاولت تجاهلها طوال الطريق باتت تلاحقني كالأحياء الأموات في أفلام الرعب، فتبعاتها تظهر أمامي في كل شيء ومع كل موقف ومن أي شخص، لأنها ليست مشاهد لتفكيك لعبة الليقو، بل هي حيوات مئات الآلاف من الأشخاص بمئات القصص ومختلف الأوجاع، تسمع همومهم وتقف على مصائبهم، مصلوباً على لهيب عجزك.
ومما يزيد بؤسك وخوائك وقرفك على ما أنت فيه من هم وغم، هي رومانسية الأشخاص الحالمون الذين ينظرون للكون من خلال النصف الممتلئ _بشوائب النفاق وعوادم الكذب_ حالمون من كوكب زمردة، مقرفون في تفاؤلهم المصطنع، كونهم حقيقةً شخصيات أنانية لا يعنيها شيء، هم المعنيين في كل حدث ولهم الأولوية في كل شيء، أما الآخرون بالنسبة لهم لا شيء.
أنت تقرأ
مذكرات اخصائية اجتماعية
Ficção Geralهنا سرد لليوميات العادية لاخصائية اجتماعية بسيطة، في محاولة لاستعادة التوازن في كل يوم.. ومواجهة كل التحديات بصدر رحب.. هنا أنا: من يواسي نفسه.