”البعوضة..
ولا أعرف اسم مُذَكَّرها،
ليست استعارة
ولا كنايةً ولا تورية..
إنها حشرة تحبُّ دمك
وتَشُمُّه عن بُعْد عشرين ميلاً..
ولا سبيل لك لمساومتها على هدنة
غير وسيلة واحدة:
أن تغيِّر فصيلةَ دمك !“* البعوضة، لـمحمود درويش.
كم هو مُضني أن يمضي المرء جل حياته منافحاً عن قناعاته ومتمسكاً بمعالي القيم التي شب عليها، من صدق وأمانة والتزام وإخلاص، في حين أنه يعمل في بيئة موغلة كالوحل، مع الحثالة الذين ما تركوا طريقاً ملتوياً إلا وسلكوه، يراقب تزلفهم و تسلقهم للمناصب بالغش والاحتيال، واستغلال النفوذ في توظيف مجهودات الآخرين لخدمة مصالحهم.
يكاد القلب أن يفيض بما فيه من فرط ما يكظم من غيض، إذ حيثما تولي وجهك تجد الحمقى، المتزلفين، والانتهازيين الباحثين عن المجد والمكانة دونما أدنى مجهود، وكأنما حصد الألقاب والتسلق على أكتاف الآخرين هو الغاية، إذ أن تطوير الذات والسعي لخدمة المجتمع و تقديم الإضافة في المجال ليس مهماً في ذاته لهذه الفئة، فحينما تجدهم حاصلين على شهادات مرموقة أو يكملون الدراسات العليا _على حين غرة_ أو يتباهون بتقديمهم الدورات فأعلم يا عزيزي الغافل أن ذلك مجرد قناع واهن ترتع أسفله أطنان من الجهل، حيث ومع أول احتكاك مباشر بهم تكتشف زيف أقنعتهم ومدى جهلهم بأدنى الأساسيات، عندها تتسائل كيف وصلوا لما هم فيه مع هذا الكم من الجهل!؟ وقد لا تتوصل إلى الإجابات مع أول احتكاك؛ لكن الوقت لن يطول بك لتظهر لك الصورة كاملة وبوضوح عالي، حيث القاعدة العامة لعمل هذه الفئة هي باختصار: ”الغاية تبرر الوسيلة“، فتجدهم أحياناً يعرضون خدماتهم عليك في مقابل استغلالك لاحقاً على طريقة ”لوي الذراع“، أو تجدهم حيناً يسرقون كل ما يقع تحت أيديهم باعتباره مشاعاً للجميع طالما أمكنهم الوصول إليه، ناهيك عن الغش _الحلال_ في عقيدتهم طالما أنهم يدفعون مقابل مادي حياله، وغيرها من الأساليب القذرة لاكتساب المكانة المرموقة في المجال مما يجعلك تشمئز من كل ما هو حولك.
أحياناً لا أجد غير الخيال عزاءًا لما أنا واقعة فيه، أضع السيناريوهات التي أراها علاجاً مناسباً لهذه العينات، على سبيل المثال: أن نُنشئ موقع وهمي لجامعة عالمية تقدم الشهادات العليا في التخصص ثم عقب أن ينجذبوا للطُعم ويسجلوا في الموقع ويدفعوا المقابل المادي نغلق كل شيء ونختفي من السيرفرات دون وجل لأنهم إن هم اشتكوا سيطالهم الجزاء القانوني وبطبيعة الحال فإن ”القانون لا يحمي المغفلين“، بالإضافة لأنهم سيظهرون للناس على حقيقتهم كونهم مجرد مدمني للبهرجة والألقاب الزائفة، وهذا ما يخشونه.
أحد السيناريوهات التي أفضلها هو أن نُنضم ملتقى ضخم نضع فيه كل المغريات التي تجذبهم ثم حين اجتماعهم نغلق المكان ونفجره عن بكرة أبيه لنريح من زيفهم البلاد والعباد.
ستقولون بأن هذا التفكير سوداوي وغير منطقي.. وأقول لكم ببساطة إنه الانتقام الخيالي الذي أفكر فيه لأواسي نفسي من الخيبة؛ لأن الواقع يحتم عليّ التعامل مع هذه العينات ومسايرتها وتحمل عنجهيتها.. ولأن غير ذلك يضعني في خانة التكبر وعدم النضج.
أنا مضطر يا صديقي أنا مضطر.. وكل ما يمكنني فعله حالياً هو الصمت ومحاولة الابتعاد قدر الإمكان عن المستنقعات التي تعج بالقاذورات رغم استحالة ذلك، ولا أعلم متى سأنفجر وأخرج عن الشعور..
”أجَلْ.. إنّني أنحني
تحتَ سَيفِ العَناءْ
ولكِنَّ صَمْتي هوَ الجَلْجَلـةْ
وَذُلُّ انحنائـي هوَ الكِبرياءْ
لأني أُبالِغُ في الانحنـاءْ
لِكَي أزرَعَ القُنبُلَـةْ!“*إنحناء السنبلة، لـ أحمد مطر
أنت تقرأ
مذكرات اخصائية اجتماعية
General Fictionهنا سرد لليوميات العادية لاخصائية اجتماعية بسيطة، في محاولة لاستعادة التوازن في كل يوم.. ومواجهة كل التحديات بصدر رحب.. هنا أنا: من يواسي نفسه.