الفَصل 08: مَوبُوء.
مهما امتدَّت النُّفوس في شواطِئ الودّ، تأتيها لحظَة جَزر؛ فالمَشاعِر بحارٌ مِن سجاياها الغَدر، تنتهِك حِماها كما لو أنَّ حوضَها برمَّته ما عادَ يسعُها، وتَطغى عَلى قلوبٍ ألِفت الظَّمأ، حينَما تستطيبُ ملوحَة وقعِها تنسحِب إلى قعرِ الغِياب.
وخلفَ جُذوعِ الوَقت، يتَوارى الفُراقُ عَلى أهبةٍ لمُداهَمة قوافِل الوِصال، ويترُك مِن بعدِه الرُّوح ثَكلى، جاثيةً عَلى أطلالِ الماضِي، بينَ عبرةٍ تأبَى السُّقوط وحسرةٍ تأبى الشِّطاط.
أنا الرَّجل الَّذي لا يَخشى أهوالَ الدُّنيا تُرعِبني المَشاعِر، وحتَّى الاعتِياد. لطالَما سيَّرت حياتي وفقًا لخطَّة مُحكمَة، لا تتخلَّلُها الهفوات ولا الصّدف، أيٌّ تقلُّباتٍ خارِجة عَن إرادَتي أو قضائِي تُربِكُني. أسوأ كوابيسي أن يجرِفني تيَّارها.
لطالَما كُنت المُسيطِر على وجدانِي، لا أحدَ يعبُر تخومِي إلَّا بإذني، وحيثُما رخَّصت له ينصِب خيمَته إلى أجلٍ مسمَّى، لأنِّي مجرَّد محطَّات يرتادُها عابِري زَمن، ليسَ فيَّ مُواطِن. ما طَرحتني نزلاتُ الهَوى يومًا سقيمًا، ولكنَّ أسرابَ الخَطر الَّتي حلَّقت في آفاقها أنذَرتني بأنَّها فارَّة مِن عاصفةٍ وشيكَة؛ هي. لوما عزَّزت حُصونِي فسوفَ تهدُّها.
كانَت تكبُر بداخِلي أنا الَّذي أعمتني ثِقتي بأنِّي لَن أنهارَ أمامَها أو بسببِها، أدركتُ حينَما أفصَحتُ لَها عَن حقيقةٍ تمتُّ بصلةٍ لجانِبي المُظلِم أنِّي قد ضِعتُ بينَ مُنعرَجاتها رويدًا رويدا. ما وعيتُ حتَّى طفَّت أثقالِي في ميزانِ وجودِها، وطَفوتُ كما لو أنَّها فَضاء خانِق، متحرِّرًا مِن جاذبيَّة مبادِئي. توجَّب عليَّ إيقافُها عِندَ حدِّها، وتنبيهها أنَّها تتعامَل مع رجلٍ خطِر، لا يَنوي إكرامَها، رجلٌ لطالَما أساءَ استِضافَة المَشاعر الَّتي تطرقُه في عينيّ أحدِهم.
لا أنكِر أنَّ الحديثَ معَها رفَّه عنِّي، حتَّى تحرَّفت طَلعتُها العادِيَّة في عَدستيّ، وباتَت أنثَى استِثنائيَّة، أغمِس فُرشاةَ سَهوي في جمالِها، وأرسم لوحاتِ غزلٍ بهيَّة، رغمَ أنِّي في الإعجابِ عديمُ الموهبة. خطوةٌ وحيدةٌ هِي ما تطلَّبه مِنِّي السُّقوط، أنا الَّذي خِلت أنَّ الفاصِل بينَنا ألفُ ميل، ووعيتُ حالَ الارتِطام أنِّي استَهنتُ بالهَوى.
أنت تقرأ
Red| Daddy Issues
Fanfictionعجيبٌ كيفَ يخطُّ ببنانِه عَلى أديمِي كلماتٍ خرساء شفَّافَة، لا تَفقهُها سِوى خَفقاتِي، وكيفَ يدوِّن ذكرياتٍ جامِحة عَلى جدراني، مهما اشتدَّت رطوبَة الزَّمن لا تزول، ربَّما لأنَّها تُضاهِي رطوبَة حاضِرنا. «لنَغرق في لُجَّة الغَفلة، ولنَتبادل إكسيرَ ا...