الفَصل 16: قَطيعَة.
في أقصَى الغَيب المُستتِر بضبابِ اللُّبس، حيثُ تَعجزُ العُيون عَن التوغُّل، فيافٍ يباب زحَفت إليها رِمالُ الضُّمورِ مِن جُنوبِ القَدر، وتحتَ قيظِ الجَوى تتفحَّم فيها الألبابُ حتَّى تغدُو أشغفةً أخباب، تختنِق بنبضِها.
لو رأينَا نِهاية الطَّريق الَّذي انتَهجناه لولَّينا على أعقابِنا نادِمين، رغمَ التَّرفُ المُصطفِّ عَلى ضفَّتيه، كما لو أنَّه لِثامُ غوًى يحجُب البَصائِر عمَّا ينظِرها آن المَوصل مِن تقتير في الحُبور، وقترةِ قنوطٍ استَغنى عنها فجرُها.
لَم أعلَم حينَما خُضتُه هُو الحَرب الكأداء الَّتي ما كُنت يومًا طرفًا فيها، بل محضَ مرتدَّة عَن وطنِها استحلَّت احتِلالَه لها، أنَّ جيشَ العَذابُ ينتظِرُني عِند حُدود الهَناء، وقد خلتُ أنِّي سأقيمُ فيه إلى الأبَد، بعدَ إذ حصَلتُ عَلى جِنسيَّة الحُبِّ مِن مُقلتيه في ليلةٍ ساجية، اغتالَت فيها الحُمَّى كتمانَه، فاجتَاح الصِّدقُ مُحيَّاه لأوَّل مرَّة كُثبي. خِلتُ أنِّي سأتبوَّأ مكانةً رفيعةً في طبقةِ اهتمامِه المُخمليَّة، وأكونُ الواحِدة والوحيدَة لدَى فُؤاده!
كانَ الخبرُ في صَحنِ استيعابِي صلبًا، ما اقتَدرت سكاكينِي أن تشرِّحه استِعدادًا لقُبوله كوجبةٍ كونيَّة سامَّة، لَن أنهضَ حيَّة لو وقعتُ في كمينِها حتَّى وإن نهضتُ سويَّة. كأنَّ الحَياة استَأجرت مُرتزِق الألَم ليحصُد مِنِّي الرَّمق في دُبرِ الصِّراط الَّذي وعَدني بالاغتِباط.
لا يُمكِن لبيكهيون أن يَلقَى حتفَه، ليسَ بهذِه الطَّريقَة وفي بلادٍ لا تُناهِز الوَطن في قلبه ولو بأنمُلة، لقَد نَجا من غاراتٍ أفتَك، خِلالَ عقودِه المُنصرِمة وما ارتَضى بفسخها مَع الحَياة رغمَ انتهاكاتِها العاطِفيَّة والجسديَّة بحقِّه، هُو الرَّجل الرَّجيع الَّذي حلَّته المآسِي وفتَلته الجَلادة.
وبينَما ألوذُ بالفِرار مِن الحقيقَة في غَياهِب الإنكار، دُكَّت مآقيَّ تَحت حوافِر العَبراتِ، فتضعضعَ كِفاحِي ووجدتُني أنزِف رغمًا عنِّي. حَدقتايَ تتلجلجَان بينَ صدَفتيهما اللَّتينِ غمرهُما العُباب مثل اللُّؤلؤتين المكبَّلتين، والكلِماتُ تتناحَر خَلف شَفتيّ، لم تبلغ أيٌّ مِنها المَناصَ، أمَّا أنفاسِي فتهدَّجت كأنَّ مسالِكها مَسدودةٌ جلُّها. سُرعان ما قطَعت الصَّدمة إمداداتِ الهَواء عَن رِئتيّ، إلَّا حفنةً بسيطةً كُنت أسرِقُها بينَ الشَّهقة والشَّهقة.
أنت تقرأ
Red| Daddy Issues
Fanfictionعجيبٌ كيفَ يخطُّ ببنانِه عَلى أديمِي كلماتٍ خرساء شفَّافَة، لا تَفقهُها سِوى خَفقاتِي، وكيفَ يدوِّن ذكرياتٍ جامِحة عَلى جدراني، مهما اشتدَّت رطوبَة الزَّمن لا تزول، ربَّما لأنَّها تُضاهِي رطوبَة حاضِرنا. «لنَغرق في لُجَّة الغَفلة، ولنَتبادل إكسيرَ ا...