الفَصل الأخير: وما بَيننا حائِل.
الحبُّ غيرُ قابلٍ للتَّحريف، كآياتٍ صانَتها الصُّدورُ من غاراتِ الزَّمن وغوايةِ النِّسيان، وإن دُفنَ تحتَ ركامُنا، عندَما تنسفُنا ويلاتُه ينفلقُ منها ثانيةً دونَ مُعيل، ولَا يرحَم الحبُّ أولئِك الَّذين ارتدوُّا عَن مِلَّته في لَحظةِ لوعَة، إذ استَمالَهم الاستِغناء إلَيه، وبقسطٍ مِن الإنصافِ أثابَ جوارِحهم الجَريحَة في مِحرابِ الإيمانِ، تشقَّقت لفرطِ ما صلَّت هباءً.
ورغمَ أنَّهُم امتَلكوا كامِل الحقِّ للإلحادِ بِالحبّ، لأنَّ الحبَّ ربٌّ أخرَس، لا يُصغِي إلى نَجوى مَكروبِيه حينَ يُدقِعهم الخُذلان، ويَثني أجسادَهم عَلى الثَّرى كغيومٍ حبلى، ولَا يُنيبُ إلى قُلوبهم اعتِذارًا ولا ربتَة، ما بينَ بارودِ الجَوى، وبينَ سِياط الذِّكرى يقمَعُهم!
حتَّى وإن صَهرت الظُّروفُ الحامِية الحبَّ الصَّلد الَّذي عمَّر في أغوارِ فُؤادٍ واصِب، ما صباهُ نورُ الشُّعورِ من قَبل، وسكَبه في قالبِ العتَب، فإنَّ جوهرُه يظلُّ حبًّا. حتَّى وإن لقَّمت الانكِساراتُ نُبل العَواطِف بشذورٍ مِن الضَّغائِن وفقَدت نقاءَها، فاسمُها ثابِت لن يحولّ ولو حالَ عَليه الحَول.
وكَما لا يُمكِن لامرِئ التنصُّل مِن نسبِه، مَهما تجمَّل بحُليِّ الجَاه الثَّقيلة وتبخترَ بِما آل إليه، يظلُّ ماضيه وصمةَ عار، وحمةً عائلةً لا بثرةً زائلة، تَكفيها مُوالاةُ الصَّبر والانتِظار.
أحيانًا يَصدأُ الشَّغفُ فينا لرطوبةِ خَيبة، ويومَ نعتزِم اقتِلاعَه مِن منبتِه، لعلَّنا نستَطيعُ استِبداله بِما يصلُح لإعادَة تشغيلِ محرِّكاتِنا الميِّتة، ترمِّمُه الأيَّام. الوقوعُ في الهاوِية يسير، لكنَّ الخُروجَ مِنها عَسير، ونُدرك إذ نبلغُ أعاليهَا بأنفاسٍ مَخطوفةٍ أنَّها فجوةٌ بداخِل فجَوةٍ أكبر منها، تمامًا كما تُفتَح أبوابُ النِّسيان عَلى ذِكرى.
كان راسخًا في قَلبي كأوَّل رعشةٍ بثَّها في جَسدي، ما تنبَّأت بأنَّها شُعلة هَوى، حتَّى توالَت علَى شِغافِي مثلَ غارَات احتِلال، وترَكت في ذاكِرتي كَدماتٍ مَلحوظَة، تحوَّلت بمُرورِ الوَقت إلى ندبٍ مُحبَّب، كذلِك ضحايَا اشتِياق. في مُنعَطفاتِ الفُراقِ، تمنَّيتُ لَو يُباغِتني كعشقِه لحظَة انصبَّ فِي بِئرِي القِفار.
أنت تقرأ
Red| Daddy Issues
Fanfictionعجيبٌ كيفَ يخطُّ ببنانِه عَلى أديمِي كلماتٍ خرساء شفَّافَة، لا تَفقهُها سِوى خَفقاتِي، وكيفَ يدوِّن ذكرياتٍ جامِحة عَلى جدراني، مهما اشتدَّت رطوبَة الزَّمن لا تزول، ربَّما لأنَّها تُضاهِي رطوبَة حاضِرنا. «لنَغرق في لُجَّة الغَفلة، ولنَتبادل إكسيرَ ا...