الفَصل 17: الانصِهارُ في صُلبه.
الشِّقاقُ ليسَ النِّهاية، إن كانَ فجوةً لبطَّنها الشَّوقُ دونَ أن يغفلَ عَن أيِّ ثغرة، حيثُ تُختزلُ الضفَّتانِ إلى ضفّةٍ واحدَة، يرقعَها الزَّمن عَلى طريقتِه الخاصَّة، ولا يُدرك ذلكَ طَرفاها. نتزاوَر عَن بعضِنا ثمَّ يأتينَا فجرُ فرجٍ مباغتٍ نزورُ فيه ماضِينا، وخلفَنا نقبِر جثامينَ الغَيظ في أجداثِ الحِساب، ونردِمها بالغُفران مَهما كانَ جرفُه مِن أرضِه عَلى الأيدِي عسيرًا.
لأنَّنا ذاتين مقيَّدتين بنياطِ هوًى مطَّاطيّ، مهما تناءَينا عَن بعضنا البعض فمآلُنا الاصطِدام، وكلَّما شطَّ البُعد بينَ أبصارِنا، اشتدَّ زخمُ الالتِحام حينَما يُعتِق الجَوازُ كلًّا مِنًّا، إذ نندفِع صوبَ أحدِنا الآخر كالسَّيل لا تعوقُه جُدرانُ المَبادِئ والقِيم، لا ينفدُ حتَّى وإن اختَلسَ مِنه ثَرى الكِبرياء مبلغَ إرادَة. عَسى أن تُغبر حِقبة الصَّبر ونُثابَ بالسِّلوان المَنشود.
كُنت القاضِي الَّذي حَكم عَلينا بالفُراق، في مُرافعةٍ غابَت عَنها، وما أسديتُها حقَّها في الدِّفاعِ عَن وجودِي فيهَا أو نقضِ قَراري المتطرِّف. علمتُ أنِّي قد دنَّستُ حبَّها الطَّاهِر لي بالحِقد، بعدَما رشقتُها برسالةِ وداعٍ مقتَضبة، كَما لو أنَّها ما سكَنت قَلبي، رغمَ أنَّها تستعمِره كلَّه، لكنَّها لا تَدري، لَم أبُح لها.
ما كانَت يومًا نزلةَ نزوَة، مسَّتني عَلى يدِ زَمهريرِ الوَحدة، وسعَرت بصيرَتي بحمَّى السَّغب، واضطرَّتني إلى تناوُلها دواءً، ليقِف تماسُكي ثانيةً. ولم تكُ حملةَ رغبَة قادَها العَمى إليَّ وخلفَه جيشٌ مِن الاعتِلال، وما بينَ تجلُّد وعنادٍ سقطنَا ضحايا أنفُسِنا.
علمتُ ولكنِّي أنكرتُ أنَّها سطَت عَلى جوارِحي النَّابيَة، إذ توالَت عليَّ نوباتُها الواحِدة تِلوى الأخرَى، وما أنا برجلٍ يستحقُّ هواها، وحتَّى صُروحِي الشَّاهقة الَّتي ما ولَجتها مِن قبلِها أنثَى، صروحُ قَلبي المَعزولِ عَن العالَمين، في قارَّة البلادة المُتجمِّدَة.
وجَب عليَّ أن أردَعها مُنذ أوَّل لفحةٍ للدِّفء ضخَّتها في شَراييني، ومُنذ أوَّل طفحٍ للخُضرَة لمحتُه في أرضِي اليَباب، وجبَ عليَّ أن أشيِّد سقوفًا سميكةً بيني وبينَ سقوفِها لأستظلَّ مِن حميَّتها!
أنت تقرأ
Red| Daddy Issues
Fanfictionعجيبٌ كيفَ يخطُّ ببنانِه عَلى أديمِي كلماتٍ خرساء شفَّافَة، لا تَفقهُها سِوى خَفقاتِي، وكيفَ يدوِّن ذكرياتٍ جامِحة عَلى جدراني، مهما اشتدَّت رطوبَة الزَّمن لا تزول، ربَّما لأنَّها تُضاهِي رطوبَة حاضِرنا. «لنَغرق في لُجَّة الغَفلة، ولنَتبادل إكسيرَ ا...