كان اليكس جالسا على الصخور ينظر الى البحر ويتأمل تلاطم الامواج الهادئ،عندما لمح ذلك الطفل الذي يلعب مع والدته شعر بغصة في حلقه،شعر بان الكون كله ضده وهو الذي يعشق الاطفال وكان حلمه ان يكون له الكثير منهم،يجد نفسه هكذا وحيدا يتحسر على نفسه وعلى اماله الضائعة،نظر مرة اخرى الى المرأة وابنها وأحس داخل نفسه أن هذا المنظر وتلك الضحكات وكل ذلك اللهو من حقه هو،احس وكأن قوة خفية تدفعه للتقدم الى الشاطىء والنظر عن قرب الى ذلك التمازج الروحي بين هذان الشخصين،اقترب بخطى وئيدة لكن عندما وصل كانا قد بدأ بالمغادرة وهما سعيدان لم يلتفتا اليه،وشعر وقتها وكأنه قد فقد شيء عزيزا بمجرد رحيلهما......
اخبرت اماليا كامي بانها لم تلتقي مع اليكس في الشاطىء كما خططت وانها فشلت في ان تجده في اي مكان قريب
-حسنا لقد ذهبنا الى الشاطئ وسبحنا حتى تعبنا لكنه لم يظهر، لاادري اين اختفى
-لا ادري عزيزتي كل ما اخبرني به عندما سألته الى اين يذهب في الصباح الباكر ، انه سيذهب الى الشاطئ ،ربما غير رأيه في آخر لحظة وذهب الى مكان آخر
-ربما،لكنني لن ايأس ساحاول مرة أخرى،سانهي المكالمة الان لان غابي جائع وسنذهب لتناول الفطور وبعدها سنقوم بجولة في المدينة اذا كان لديك اي جديد هاتفيني او ارسلي لي رسالة
-حسنا عزيزتي الى لقاء قريب.
خرجا بعد تناولهما لوجبة غنية واخدا يطوفان شوارع المدينة المزدحمة بالسياح من كل الجنسيات،عندما تعبا من المشي والتجول جلسا الى احدى المقاهي المتفرقة على طول الطريق وطلبا بعض المشروبات المنعشة، احتسياها بتباطئ وهما ينظران الى المارةويتجاذبان اطراف الحديث،وعندما انتهيا قالت اماليا لطفلها
-عزيزي، ساذهب الى الحمام لدقيقتين فقط لاغسل وجهي وانعش نفسي قليلا وساتركك وحدك ،لا تتحرك من مكانك حتى اعود،هل هذا واضح؟
-أمي!انا لم اعد صغيرا لقد اصبحت في الحادية عشرة من عمري وانا في نفس طولك،يمكنني ان اتحمل مسؤولية نفسي لساعات وليس فقط لدقائق.
-حسنا صغيري اعلم ذلك،واعرف انك اصبحت رجلا يعتمد عليه ،ولكنني أم ولا انفك اقلق لاي سبب حتى ولو اصبحت في الستين
-اذهبي أمي لقضاء حاجتك أنا استطيع الاعتناء بنفسي لدقائق
ذهبت اماليا الى الحمام وجلس غابي في انتظارها.....
عندما مر اليكس من امام هذا المقهى لم يلقي بالا لاي شيء الا لهذا الطفل الذي يجلس وحيدا يحتسي مشروبه وهو يجول بعينيه بين الناس ،شعر بشئ مألوف بهذا الصغير كأنه يعرفه منذ زمن او قابله قبل الان في مكان ما ،اقترب منه وجلس الى الكرسي المقابل له وعندما نظر اليه باستغراب شعر اليكس باختلاج في قلبه قد حرك كل كيانه،ماذا في هذا الطفل يصيبه بهذا التوتر، تساءل بينه وبين نفسه قاطع افكاره حديث الطفل عندما سأله
-هل من خدمة سيدي، لأن هذه الطاولة محجوزة
-أنا فقط كنت مارا من هنا وتساءلت لما طفل صغير يجلس لوحده في مقهى بين هذا الكم الكبير من الاغراب
- انا لست صغيرا وايضا لست وحيدا ،فوالدتي معي ولكنها دخلت الى الحمام وستعود بعد قليل.
-حسنا ،هل تسمح لي بالبقاء معك حتى عودتها
-على الرحب سيدي فالمقهى للجميع.
تحدث اليه اليكس قليلا وتجاذبا الحديث ليجد امامه طفلا ذكيا جدا يسبق سنوات عمره باشواط كبيرة ولديه نضج قل ما نجده عند شباب اكبر منه،لكن ما يثير حفيظة اليكس تلك الالفة التي يشعر بها معه وكأنه عرفه طوال حياته، ما الذي يحصل معه الان؟خرج من افكاره على صوت مألوف، رقيق كالموسيقى - هيا بنا غابي ، يجب ان نعود الان فالحر اصبح لايحتمل.
التفت اليكس لتلتقي عيناه بتلك البنفسجيتين التين اسرتاه منذ رأهما اول مرة ولم يستطع الشفاء ابدا من سحرهما ،فغرت اماليا فاهها مشدوهة لوجود اليكس مع طفلها لم تستطع النطق باي كلمة من فرط دهشتها فهاهي الصدفة التي حاولت ان تخلقها للقاء الاب والابن قد حدثت دون تدخلها ياللاقدار،تحدث غابي دون ان يشعر بالتوتر بين الشخصين الماثلين امامه
- امي، هل نذهب الان؟
نظر اليها اليكس ثم نظر الى الصغير مرة أخرى وهو يحاول ان يستوعب الموقف .-
-هيا بنا صغيري لنذهب الان.
-الى اللقاء سيدي تشرفت بمعرفتك.
وقف اليكس واقترب من اماليا وهو يهمس لها -يجب ان نتحدث بشكل جدي،ليس الان وليس امام الطفل ،اين تقيمين؟
-ليس بيننا حديث واين اقيم ليس من شأنك اللعين.
نطقتها واخدت يد طفلها وسارت مبتعدة عنه وقلبها يخفق بشدة لدرجة ظنت معها ان جميع من حولها يستطيعون سماعه،الان الكرة في ملعب اليكس، اكيد انه سيبحث عنها وفي هذه الاثناء قد يعترف بينه وبين نفسه ان هناك صلة بينه وبين غابي ،من يدري ربما؟وصلت الى الفندق واتصلت بكامي تخبرها بالتطورات الجديدة ثم اخدت حماما منعشاهي وغابي ونزلا الى مطعم الفندق ليتناولا وجبة الغداء،بعد ذلك عادا الى جناحهما استلقى غابي في غرفته يأخد قيلولة بينما جلست اماليا تتصفح المواقع وتتطلع على اميلاتها وتجيب عنها،رن هاتفها في هذه اللحظة فاسرعت لتجيب كي لا توقظ غابي ،وكان الاتصال من صديقتها اماندا وهي زوجة احد الاطباء زملائها وهو ايضا صديق
-كيف حالك اماندا لم تحادثيني منذ مدة حتى انك لم تجيبي عن مكالماتي ولا رسائلي
-انا اسفة عزيزتي لكني كنت في دوامة لم استطع الخروج منها،انا احتاجك فعلا صديقتي
-يا إلهي ، ما الذي حدث اماندا
-حسنا انا لم اكن اريد اخبارك او اقلاق عطلتك،ريتشارد تعرض لحادث منذ اسبوع
-ماذا؟ لما لم تخبريني؟هل كان حادثا خطيرا؟
-لقد اصتدم بحاجز طرقي عندما كان عائدا من العمل ولان الجو كان ماطرا فقد انزلقت السيارة واصيب ببعض الجروح الغير خطيرة لكنه تعرض لكسر مضاعف في رجليه هو الان بخير صدقا لا تقلقي من هذه الناحية
-اين المشكلة اذا؟؟
- تعلمين أنه كان سيذهب الى كمبوديا في قافلة طبية تطوعية، لاجراء مجموعة من العمليات الجراحية لعدد من الاطفال المحتاجين،ورغم اصابته فهو مصر على الذهاب لان هناك خصاص في الاطباء الذين سيذهبون ،خصوصا بعد اصابته واعتذار احدى الطبيبات التي تعاني من حمل معقد يستلزم بقاءها في الفراش طوال الشهور الاولى،وانا اكاد اجن من اصراره هذا، ماذا يمكنني ان افعل لكي اقنعه بالبقاء والاعتذار؟
-لا تقلقي عزيزتي ساتحدث اليه وسأرى ماذا يمكنني ان افعل ؟
-شكرا لك عزيزتي سأكون ممتنة جدا لك اذا اقنعته بالعدول عن الذهاب،الى اللقاء
-الى اللقاء اماندا قبلي ستايسي بالنيابة عني.
اتصلت اماليا بريتشارد الذي رد بسرعة :
-مرحبا اماليا، كيف انت وغابي وهل استمتعتما بعطلتكما؟
-انا و غابي بخير واسبانيا رائعة حقا في هذا الوقت من السنة،لكن اخبرني ريتشارد كيف حالك الان ،لقد علمت لتوي بالحادث، اتمنى ان تكون الاصابات غير معقدة
-انا بخير صدقا، مجرد رضوض وكسر مزدوج في رجلي اليمنى وكسر في الكاحل في اليسرى
-يالهي، كل هذا وتريد الذهاب في القافلة الطبية؟
-أرى ان اماندا قد استنجدت بك،اسمعيني جيدا عزيزتي، هذه القافلة خاصة بعمليات يجب ان تجرى في اجل محدد واذا اعتذرت انا ستلغى كليا ،لأن عددالاطباء غير كاف بالمرة وهم فعلا يحتاجون الى هاته العمليات.
- ألا يمكن تعويضك بزميل آخر ؟
-لقد حاولت فعلا لكن جميع من اتصلت بهم لديهم إلتزامات مسبقة او ظروف تمنعهم من أخذ مكاني لدى ترين انه لايمكنني ان اتنصل من واجب انساني كهذا
-انت لم تسألني انا اذا كنت استطيع الذهاب؟
-طبعا لن اسألك لقد عدت لتوك من مهمة انسانية صعبة وبمخاطر عالية وتحتاجين الى الراحة، لايمكنني ان اكون انانيا واطلب منك ذلك
-انت على حق ولكن أنت بكسورك لن تكون نافعا كثيرا في هاته المهمة وستحتاج للمساعدة طوال اليوم للتحرك ،لذا ارى ان اذهب مكانك وانت ستدين لي بواحدة
-هل انت متأكدة؟
-طبعا ولما نحن اصدقاء اذا لم ننفع بعضنا في اوقات الشدة؟
-وماذا ستفعلين مع غابي ؟
-غابي لن يكون مشكلة فهو متعود على ذهابي في مهام انسانية حتى ان الامر يعجبه كثيرا، وسأتركه ليكمل عطلته مع عمته واؤكد لك انه سيكون غاية في السعادة
- شكرا لك اماليا ،لا تعلمين اي هم ازحت عن كاهلي خصوصا في هذه الفترة الحادث الذي تعرضت له وحمل اماندا المفاجأكل هذا كان يؤرقني
-انتظر لحظة هل تقول لي بأن اماندا حامل ولم تخبرني؟
-ألم تخبرك؟ غريب رغم انك اول من يعرف بكل مكنوناتها
-حسنا أظن انني اعرف لما لم تخبرني ،تظن انها ان اخبرتني سأضحي بنفسي وأذهب مكانك كي تبقى الى جانبها ولم تكن تريد ان تضغط علي كل ما طلبته مني هو ان اجعلك تعدل عن قرارك في الذهاب أو ان اجد من يذهب بدلا منك
-نعم معك حق هذا بالضبط هو تفكير اماندا فهي دائما ترى انك تستنزفين نفسك في تلك المهام خصوصا مع وجود غابي الذي يحتاج لوجودك
-هي على حق لكنني اجد متعة وراحة نفسية كبيرة عندما اساعد اشخاصا في هذه الحياة ،ذلك يملأني بالراحة
-اعلم ذلك عزيزتي،حسنا انا سابعث اليك بكل التعليمات وساربطك بمنظمي القافلة ،لكي يمرروا إليك كل ما يجب فعله قبل الذهاب وما نوع العمليات التي ستقومين بها خلال هذه الفترة التي ستكون حوالي الاسبوعين
-حسنا ولكن ليكن في علمك انك تدين لي بواحدة
-حسنا وانا تحت امرك متى احتجتني
-الى اللقاء اذن واتمنى لك الشفاء العاجل
-شكرا عزيزتي ،اهتمي بنفسك واتصلي باستمرار الى اللقاء.
اتصلت اماليا بكاميلا لتخبرها بتغير الخطط وبانها ستترك غابي في عهدتها لمدة اسبوعين. واخبرت غابي بذلك الذي فرح كثيرا لرؤية عمته والبقاء معها طوال فترة غياب والدته،لكنها لم تعرف كيف تخبره عن والده وانه سيكون موجودا معهم.طلبت نصيحة كامي التي شجعتها على ان تحكي لطفلها كل الحقائق حتى يكون مستعدا لكل شيء،وهكذا جلست اماليا مع طفلها ليلة مغادرتها اخبرته كل القصة منذ تعرفها بوالده وحتى لحظة رؤيته معه في المقهى
-هل تقصدين ان الرجل الذي كان معي هو نفسه والدي؟
-نعم انه هو نفسه
-و لما لم تخبريني بذلك وقتها؟
-لان الامر معقد بني فبعد ان ذهبت اليه واخبرته انني انجبت طفلا منه انكر بقوة لان الاطباء قداخبروه انه لن ينجب ابدا ،فلم يكن لدي حل سوى السكوت ولكن الان لانك ستعيش مع عمتك فترة من الزمن وسيكون هو موجودا يجب ان تعرف كل شيء فهو الان يعيش في حالة انكار للحقيقة حتى ولو رأها امامه،ارجو ان تستوعب ذلك بني وان لا يؤثر بك هذا الامر-لاتقلقي امي ،لقد عشت بدون اب طوال احد عشرة سنة ولم اشعر بغيابه ابدا فانت منحتني حب الام والاب والاخ والصديق ولا احتاج اي شيء اخر ،ومن يدري ربما نصبح انا وهو اصدقاء حتى ولو لم يعترف باني ابنه،اتعلمين امرا امي؟خلال حديثي معه في المقهى ولو انه كان لدقائق لكنني احببته فعلا وتمنيت ان التقيه مجددا،،ربما لرابط الدم بيننا
-اظن ذلك بني، لا تكن متعجلا دعه يتعرف اليك شيئا فشيئا وانت ايضا تعرف اليه فاذا لم تستطع ان تكسبه كأب فحاول ان تكسبه كصديق
-حسنا أمي اتمنى لك التوفيق في مهمتك،ارجوك عودي سالمة
-شكرا صغيري ساشتاق اليك كثيرا.
وهكذا تسافر اماليا الى الجانب الاخر من الكرة الارضية تاركة المواجهة المحتومة بين اليكس وغابي وهي تتمنى من كل قلبها ان يستيقظ من شفقته على الذات وينظر الى الواقع أمامه.......
************************************
وللقصة بقية اتمنى من كل من يقرأ هذه التجربة الكتابية ان يتفاعل معي وان يخبرني برأيه بكل صراحة سواء كان بالسلب او بالايجاب
أنت تقرأ
مرآة الحب المتكسرة+18
Romanceتعود بعد اكثر من عشر سنوات لتخبر الرجل الذي حطم كل احلامها الوردية بان لديه طفل وهو يود التعرف اليه ،ماالذي ينتظر اماليا بالجانب الأخر من الاطلسي؟ وكيف ستكون ردة فعل اليكس؟ _بقلم سما المغرب _هذه القصة من وحي خيالي ليست منقولة او مترجمة _حقوق الكات...