02

128 6 71
                                    

خَلَعْتُ في المغاسِلِ شبكةً خضراءَ كانَتْ تغطّي شعري ، و رُحْتُ أتفرَّسُ أمامَ المرآةِ في انعكاسِ وجهٍ لا أذكرُه ، حالُه فظيعةٌ مُقلِقة ، لكنَّني مُعتادةٌ على ألّا أكترثَ ما لم يكن في يدي وحدي الحلّ.
ارتدَيْتُ سُترتِي ، ثمَّ و قبلَما غادَرْتُ المكانَ بَحَثْتُ عن هوغو ، كانَ غارقاً في أفكارِه يغرقُ بالماءِ وجهَه المصدومَ الخائف ، نادَيْتُه فتوجَّهَ نحوي دونَ تفكير ، قابَلَه وجهِي بابتسامةٍ فخورةٍ جعلَتْ من حالِه أقلَّ سوءاً ، لا يعرفُ هذا الشّابُّ كم خفَّفَ من فوقِ رأسِي ضغوطَ العمليّةِ الهائلة ، لا يعرفُ مُغايراً لما راقَبَ من عملٍ أتمَمْتُه

_"عظيمٌ أنت ، لكنَّني أسألُكَ ألّا تأخذ منّي رئاسةَ القسم ، هل ستفعل؟"

صُعِقَ بما قُلْتُ حتّى نسيَ فاهَه مفتوحاً ، لا يصدِّقُ طبعاً أنَّ أستاذَتَه تخاطبُه بمثلِ هذا الكلام ، فهو يبدو قليلَ ثقة

_"طبعاً لا! لا أحدَ يستطيعُ أن يفعلَ طبيبة دارسي!"

_"اسمَعْني جيِّداً أيُّها الطَّبيبُ هوغو ، أيُّ خوفٍ يخامِرُكَ خلالَ العمليّةِ دَعْه حبيسَ قَلبِك ، لا تسمح لأحدٍ برؤيَتِه ، و تظاهر بأنَّكَ مخبولٌ لا يُهمُّكَ شيء ، أنتَ طبيبٌ عظيم ، تجاهل مخاوِفَكَ و افعل ما جئتَ تفعلُه ، هل اتّفَقْنا؟"

_"سأكونُ دائماً عندَ حُسنِ ظنِّكِ أيَّتُها الطّبيبة..شكراً لكِ..شكراً لكِ صدقاً"

انحنى لي فَرُحْتُ سريعاً أتمسَّكُ به و أحتضنُه ، ليسَ الانحناءُ من عاداتِنا ، و هذا الشّابُّ أكثرُ تهذيباً من أن يفكِّرَ فيما سيفعلُ في موقفٍ كهذا

_"هذا ليسَ عدلاً طبيبة دارسي! هو عظيمٌ و أنا متخلِّفٌ عقليّاً!"

كنتُ في كثيرٍ من الأحيانِ قريبةً إلى حتفي ، و طُلّابِي هؤلاء هم أهمُّ ما حالَ بيني و بينَه ، بينِي و بينَ إحلالِ الموت

_"تعالَ أنتَ أيضاً"

ضمَمْتُه إلى حضني ، أعرفُ أنَّهم يستهجنون أسلوباً جديداً تتبعُه الطّبيبةُ الصّارِمة دارسي ،  بَيْدَ أنَّني أشعرُ كما لو أنَّها آخرُ مرّةٍ أراهم فيها ، و في حالٍ كهذه ، يَصعُبُ تقمُّصُ أيِّ دور.
ودَّعْتُهم باسمةً ثمَّ و مباشرةً ذَهَبْتُ مكتبَ صديقِيَ الوحيدِ و شريكِيَ في كلِّ شيءٍ من حيِّ السَّكنِ و حتّى الدّراسةِ فالعمل ، أوليفييه.
كانَ يجالسُ إحدى المُمرِّضاتِ على عادَتِه ، ليسَ لأنَّه مُعجَبٌ بها طبعاً ، و لكن لأنَّهنَّ الغالبيّةُ يحببن شكلَه و يحببن ابتداعَ الحججِ لقضاءِ الوقتِ و تضييعِه معه.
غادرَتْ حالَما وَصَلْت ، تعرفُ جيِّداً بأنَّني لا أقبلُ بالتّسيُّب ، و لَسْتُ أجِدُ أيَّ مانعٍ في طردِ أيِّهن عن طريقِ الوِشايَةِ أو غيرِها.
وقفَ أوليفييه يتَّخِذُ ثغرُه شكلاً غريباً غبيّاً ، ثمَّ مدَّ يدَه يستلمُ يدي كواحدةٍ من ألاعيبَ تافهةٍ ينسيني بها ما كانَ يفعل

أربعٌ وَ عِشرُونحيث تعيش القصص. اكتشف الآن