لم ينتظر طويلاً في الجوِّ البارد ، و لكن عليه أن ينتظرَ أعواماً قبل أن يقابلَ ردَّ فعلي الحقيقيَّ على حضورِه المُفاجئ ، ردَّ فعلي على تواجُدِه إلى قربي.
ربّما يضعُ النّاسُ الطّبيبةَ دارسي بين أكثرِ الشّخصيّاتِ صراحةً و جُرأة ، هذا طبيعيٌّ جدّاً ، فهم لا يعرفون كم تصبحُ جبانةً أمامه هو ، و كيف تعجزُ عن إخبارِه بحقيقتِها ، كم تسترُ وراءَ العجرفةِ من جوانبَ ضعيفةٍ رثّة ، لم تَعِ بوجودِها في السّابقِ من عمرها.
وقفتُ أمامَ البابِ أراقبُ توجُّهَه نحوي من حيث يركنُ سيّارتَه و أنا أرتدي وجهاً مغايراً لائماً ، أتّهمُه بالاحتيالِ عليّ و أسخرُ من انعدامِ فائدةِ مناورتِه هذه ، ليس و كأنَّني تأثّرتُ بما فعلَ و فهمتُ كلَّ رسائله المُضمَّنة ، بل على أنَّني لا أفهمُ شيئاً بعد ، و أقفُ في مكاني أنتظرُ شرحاً و مبرّرات ، لا أستطيعُ بعدُ التّغلّبَ على طباعي هذه_"ألم تكن ستتركُني حتّى الصّباح؟ ما الذّي غيّرَ رأيك؟"
سألته فورَما اقترب ، فتجاهلَ سؤالي و كأنَّه لم يكن ، تجاهلَني أنا ذاتي لو شئنا التّدقيق ، فهو لم يرفع نظرَه عن هاتفِه طوالَ رحلتِه إلى ترّاسِ الكوخِ إلّا ليتأكّدَ من موقعي ، و حتّى وقتَما وقفَ أمامي مباشرةً.
أظنُّ هذا أسلوبَه في ردِّ سوءِ ما فعلتُ في هذا اليوم ، و قَدْ بدأَ هذا الأسلوبُ يستفزُّني مُبكّراً جدّاً ، قَدْ لا أحتملُه أكثرَ من عشرِ ثوانٍ بعد.
لا ، بل سأفعل ، تلك أنا التّي تتجاوزُ في هذه الأيّامِ كلَّ قواعدِها بصفتها آخرَ أيّامِ حياتها ، و هذه القاعدةُ ليسَتِ استثناءً على الأكيد ، خاصّةً مع اقترابِ النّهايةِ أكثرَ فأكثر_"لديَّ ثلاث مكالماتٍ يجبُ أن تسمعيها ، سنتكلّمُ بعدَها فيما حدث"
كلَّمَني دون أن يكلّفَ نفسَه بنظرةٍ واحدةٍ إلى وجهي ، ثمَّ رفعَ الهاتفَ إلى أذنِه و اتّخذَ ثلاثَ خطواتٍ في الاتّجاه المُعاكسِ لبابِ الكوخ ، لا أميّزُ إن كانَ ما يقصدُه بكلامِه و حركاته تهديداً أو شيئاً آخر ، بَيْدَ أنَّ التّهديدَ هو الشّيءُ الوحيدُ الذّي أستطيعُ استنباطَه ، و الذّي لا أستطيعُ التّعامُلَ معه كما يجبُ من ثمَّ
_"مرحباً ، كيف حالُكِ سيّدة كافيليا؟"
نظرَ نحوي أخيراً و أشارَ لي كي أقتربَ من حيثُ هو ، لم أرد أن أستعجل حقّاً في تنفيذِ أوامرِه فهذه ليسَتْ عادتي ، لكنَّ فضولي قَدْ تنامى ما إن شغّلَ مكبّر الصّوتِ و دعاني لسماعِ المهاتفة ، لذلك فعلتُ و بغير أن أنتبه
_"أسألُكِ شرحَ حالِ ابنِكِ من بعدِ إذنِكِ ، سيسمعُكِ الآن شخصٌ يهمُّكِ و يُهِمُّ ماريو أمرُه"
سيّدة كافيليا و ابنُها ماريو.. ماريو كافيليا!
نظرتُ إلى وجهِ سيهون ، وجدتُه فاتراً إلى حدٍّ ما ، ليس و كأنَّه قَدْ فجّرَ مفاجأةً ثقيلةً في لبِّ مشاعري..
ماريو كافيليا هو ابنُ زميلٍ إيطاليٍّ متوفّى ، الطّفلُ الوحيدُ الذّي أُحِبُّ على وجهِ هذه الأرض ، الطّفلُ الذّي انتشلَني من عمقِ بؤسي يومَ سافرتُ إلى إيطاليا في نهايةِ العامِ الماضي لحضورِ عزاءِ أبيه ، الملاكُ الضّئيلُ ذو التّسعةِ أعوامٍ و الذّي تنسيني ضحكتُه المُشرِقةُ هموم الدُّنيا ، الملاكُ الغالي الذّي لا تستحقُّه البشريّة..
أنت تقرأ
أربعٌ وَ عِشرُون
Fanfictionمتوقّفة مُؤّقتاً أمامي أربعٌ و عشرون لأندمَ كما ينبغي ، أربعٌ و عشرون لأحلمَ كما أشتهي ، أربعٌ و عشرون لأُفاجَأَ حتى أكتفي و أربعٌ و عشرون لأستسلم.. أربعٌ و عشرون لأعيش .... الطّبيبةُ دارسي مارتن ، في مواجهةِ واقعِها و...