11

41 4 86
                                    

~اليومُ السّادسُ و العشرون~

كُنْتُ أخوضُ حلماً غبيّاً ورديّاً لا أذكرُ من تفاصيلِه شيئاً ، و إذ بالورديِّ يستحيلُ أسود فجأة ، و يتكوّنُ في شكلِ مشاهدَ مرعبةٍ تدفعُ الخوفَ في داخلي و تجبرُني على أن أفتحَ عينيّ فلا أستطيع ، أعلقُ في السّوادِ و لا أقدرُ على التنفّسِ بشكلٍ طبيعيّ ، كما لو كُنْتُ على وشكِ الغرقِ في عمقِ قطرةِ حبرٍ عظيمةِ الحجمِ ضيّقةِ الأبعاد.
كُنْتُ أعلمُ في خصمِّ كلِّ هذه التّحوّلاتِ بأنَّها محضُ أعراضِ نوبةٍ حديثةٍ قادمة ، لكنَّني ما استطعْتُ قمعَ خوفي منها ، و ما استطعْتُ أن أطمئنّ لأنَّها زائلةٌ لا محالة ، بل و ازددْتُ خوفاً إزاءَ هذا الأمر ، كما لو بِتُّ على شفا الموتِ لا يفصلُني عنه شيء.
و في النّهاية ، تبدّدَ السّوادُ و تبدّدَ معه اختناقي و ندمي ، استطعْتُ أن أشهقَ أخيراً و أستيقظ ، و نسيتُ ما استذكرْتُ من أخطاءٍ في حياتي منذُ لحظات.
نهضْتُ بسرعةٍ أبحثُ عن كأسِ ماءٍ سبقَ و وضعتُه بقربِ السّرير ، و آنَ وجدتُه اعتدلْتُ رغبةً في شربِه ، و إذ بأصابعي ترتجفُ حولَ الزّجاج ، و برأسي يضخُّ ألماً في كلِّ أعصابي.
تنهّدْتُ ، ثمَّ حاولْتُ رفعَ الكأسِ بعدَ مرورِ وقتٍ ففلحت ، و غابَ الارتجافُ الغريبُ في أصابعي من بعدِ ما أوصلْتُ الكأسَ إلى قربِ وجهي و ارتويتُ به.
وضعْتُ الكأسَ فارغاً في مكانِه و نظرْتُ نحو هاتفي سريعاً أتفحّصُه ، كانَتِ السّاعةُ قَدْ تجاوزَتِ العاشرةَ صباحاً ، و لا إشعاراتٍ أو مستجدّات.
ألومُ نفسي لأنَّها فكّرَتْ فيه أوّلاً ، دائماً ما سأفعلُ إذا ما وجدْتُ هواناً ما في تصرّفاتي ، و خاصّةً لو كانَ هذا الهوانُ لأجلِه هو.
نهضْتُ أنفضُ عنّي غبارَ التّعب ، و توجَّهْتُ نحو الحمّامِ أتهيّأ لاستقبالِ ميشيل ، لا يجبُ أن يرى الأخيرُ أستاذتَه التّي يحترمُ ضعيفةً و مريضة ، على الأقلِّ ريثما يستعيدُ عملَه

.
.
.

كُنْتُ قَدْ جلسْتُ في انتظارِ ميشيل في التّرّاسِ غيرَ آبهةٍ بحدّيّةِ أساليبِ البردِ في المواجهة ، لكنّ مواجهتي هذه ما عادَتْ عليّ بالنّفعِ على ما يبدو ، فميشيل قَدِ اتّصلَ منذُ قليلٍ ينبئني بأنَّه عالقٌ في ثلوجِ القريةِ المجاورةِ منذ الصّباح ، و بحسبِ النّشرةِ الجويّة ، فلن يأتيَ قبل وقتٍ طويل.
نقلْتُ اهتمامي نحو تطبيقِ الرّسائلِ أتحقّقُ من أنَّ مشكلةً قَدْ وقعَتْ ، لكنَّني ما أصَبْت ، فموقعُ من أنتظرُ من الكلامِ ما يزالُ غائباً ، و أتمنّى أن يكونَ هو بخيرٍ على الرَّغمِ من هذا الأمر.
'أين أنت؟'
تساءلْتُ في سرِّي أقاتلُ الأفكارَ و أردعُها عن الولوجِ إلى خاطري ، إلّا أنَّني لم أحتمل أكثرَ من عشرِ دقائقَ أقاتلُ مع القلقِ في نفسِ الجبهة ، و وجدْتُ نفسي دون أن أحِسَّ أبتدئ اتّصالاً به وبدلاً من أن أراسلَه ، و سرعان ما أجاب

_"أهلاً دارسي"

أقلقَني صوتُه و ما طمأنَ بالي كما أملْتُ أن يفعل ، إذ صدرَ تعيقُه بحّةٌ غريبة ، و خفوتٌ مرضيٌّ زادَ خوفي و شفقتي على نفسي في الوقتِ عينِه

أربعٌ وَ عِشرُونحيث تعيش القصص. اكتشف الآن