~اليومُ الحادي و العشرون~
وصلْنا باريس في تمامِ منتصفِ اللّيل ، لمعَتِ المباني أمام عينيّ على حينِ غرّةٍ و توضَّحَ تأثيرُها في لبِّ إحساسي ، ليسَ و كأنَّني أمرُّ بها منذُ أعوامٍ و أعوامٍ بغيرِ انتباه ، بل و كأنّني قادمةٌ إليها من نانت موطني الأوّل ، أُدهَشُ بلمعتها لأوّلِ مرّة ، أُدهَشُ بضخامتِها لأوّلِ مرّة ، و أبتسمُ لها.
رأيتُ فيها يومَ جئتُ هنا بدايتي ، بدايةَ مستقبلٍ خلّفتُ لأجلِه كثيراً منّي ، أمّا الآن ، فأرى نهايةً أصبو لأن تكونَ نهايةً مشرّفةً ملائمة ، لا تشبهُ الطّبيبةَ دارسي تماماً ، و لكن تشبهُ من يحفظُ تاريخُ هذا العالمِ أسماءهم.
مشكلةُ باريس أنَّها جميلة ، أفهمُ فجأةً معنى هذا الكلام ، أفهمُ و إلى قربِ مبتكرِه الأوّلِ حقيقةَ ما يعنيه ، أفهمُه و أشعرُ به ، و أتناسى كامل الاستهجان.._"مشكلتُها أنَّها جميلة"
تمتمتُ بصوتٍ خفيضٍ بلغَ أعتابَ سمعه ، فهمهمَ لي يقصدُ الاستعلام ، كانَ داخلُ السّيّارةِ في أقصى حالاتِه هدوءاً و استقراراً ، هو يركّزُ على القيادةِ دون غيرِها ، أنا على التّأمّل ، و لونا شبهُ نائمةٍ في المقاعدِ الخلفيّة
_"مشكلةُ باريس أنَّها جميلة ، أظنّني أفهمُ ما قلتَ الآن"
أصدرَ ضحكةً خافتةً مُتّزنة ، نقلَ عينيه من بعدِها إلى وجهي ، جزءٌ بسيطٌ من الثّانيةِ حكمَ لقاءَنا قبلما انتهى ، لكنَّه و لوحده قصّةٌ أُخرى
_"لا ترين فيها إلّا محاسنَها ، و مهما بلغَتْ مساوئها ، ستظلُّ حلوةً بالنّسبةِ لكِ ، لأنَّكِ تحبّينها ، و فقط لأنّكِ تفعلين"
حدّقتُ فيه مصدومةً لبضعِ دقائق ، ثمَّ حرّرتُ ابتسامةً بسيطةً أعربُ بواسطتِها عن فهمي ، و أخبّئ في طيّاتِها ارتباكاً لا ينتمي إليّ ، قَدْ ينتمي إلى روحي الشّابّةِ المدفونةِ في أعماقي ، و قَدْ ينتمي إلى روحٍ حلوةٍ لم ألحظها من قبل
_"كيف يفترضُ بي أن أفهمَ كلامك؟"
_"بالطّريقةِ التّي تحبّين"
_"من قالَ أنّني أحبُّ أيّةَ طريقة؟"
سألتُه على نحوٍ غارقٍ في الجدّيّة ، بدا وجهُه لي جدّيّاً أيضاً ، لذلك ما أردتُ إيضاحَ ما أفكّرُ فيه ، فلو كنتُ مخطئةً سأغورُ في المشاكلِ أكثرَ فأكثر ، و لن يعودَ لي مهربٌ من الإحراج.
تنهّدَ بعدَ لحظاتٍ و هو يرمقُني ، أخالُه الآن يشعرُ بالضّيق ، بَيْدَ أنَّني لن أقدمَ على حركةٍ معاونة ، فهو يستحقُّ ما وقعَ فيه ، هو من أوقعَنا_"عندها لن يعودَ لي ما أبحثُ عنه"
_"أنتما تشبهان أُمّي و أبي ، لا يعرفان كيف يقولان شيئاً مباشراً ، كلُّه بالألغاز"
أنت تقرأ
أربعٌ وَ عِشرُون
أدب الهواةمتوقّفة مُؤّقتاً أمامي أربعٌ و عشرون لأندمَ كما ينبغي ، أربعٌ و عشرون لأحلمَ كما أشتهي ، أربعٌ و عشرون لأُفاجَأَ حتى أكتفي و أربعٌ و عشرون لأستسلم.. أربعٌ و عشرون لأعيش .... الطّبيبةُ دارسي مارتن ، في مواجهةِ واقعِها و...