03

82 4 64
                                    

ما صدَّقْتُ أنَّ فجرَ اليومِ التّالي قد حلّ ، فَقَدِ استنزَفَ انتظارُه كاملَ صبرِي باكراً ، حتّى وَجَدْتُ ذاتِي مُضطرّةً لأدفنَ وعيي في كثيرٍ من أشغالٍ أُخرى ، انتهَتْ بالنَّومِ عندَ منتصَفِ اللّيل.
ارتَدَيْتُ على استعجالٍ ملابِسِي و هَرَعْتُ نحو المستشفى أبكرَ بقليلٍ من الموعدِ المُتَّفَقِ عليه ، لا يهمُّني ما يريدُني فيه المديرُ لأكونَ صريحة ، لكنَّه و لحظةَ جاءَ على ذكرِ العمليّةِ التّي أنتظرُ منذُ وقتٍ طويلٍ أماتَ فيَّ التَّجاهُلَ و بثَّ مكانَه قلقاً و خوفاً.
قابلَني أوليفييه أوّلاً ، كانَ يعسكرُ عندَ بوّابةِ المُستشفى ، و يهدِّدُ شكلُه المُرتابُ بمشكلةٍ قادِمة.
ألقَيْتُ عليه التَّحيَّةَ و همَمْتُ أدخلُ على وجهِ السُّرعة بلا ردّ ، بَيْدَ أنَّه ما سمحَ لي ، و قطعَ بجسدِه الضَّخمِ النَّحيلِ سبيلي إلى هدَفِي

_"عُودِي إلى البيت ، هيّا"

_"يريدُني المديرُ في شيء أوليفييه ، ابتعِد"

لم يستجِبْ ، و ما أبدى أنَّه قد يفعل ، كانَ صارمَ الهالةِ يحدِّقُ في وجهِي ثابتاً يحاولُ قمعَ رغبَتِي ، أزرقُ حدقَتَيه كانَ يجعلُ من غضبِه مزحةً فيما قبل ، لكنَّه الآن يزيدُ مظهرَه حدّةً

_"ما خطبُكَ أوليفييه؟"

_"آنسة مارتن ، ها أنتِ هنا ، تفضَّلِي معي من بعدِ إذنِكِ"

ابتعدَ أوليفييه مُجبراً بعدَما سَمِعَ صوتَ مُديرِ المُستشفى يصدرُ من وراءِ ظهرِه ؛ لا يزعِجُني حضورُه بِقَدرِ ما تزعِجُني فكرةُ أنَّه ما يزالُ يناديني ب”آنسة مارتن“ و بعدَ كلِّ هذه السّنوات ، و مع أنَّ كلّاً من السّابِقَين مُستفِزٌّ إلى حدٍّ عظيم.
سِرْتُ بهدوءٍ من بَعدِه ، أراقبُ مِشيَتَه المُتغطرِسةَ و حركاتِه البغيضة ، رجلٌ قصيرٌ بدينٌ و كثيفُ الشَّعر ، يرتدي بزّةً رسميّةً في المُناسَباتِ جميعِها ، و يضعُ فوقَ أنفِه الغليظِ نظّارةً طبيّةً و فقط لينظُرَ إلى مُحدِّثِه من فَوْقِ عدساتِها السّميكةِ صغيرةِ المساحة.
دخلَ مكتبَه لا ينظرُ إلى الخلف ، و شغلَ نفسَه بالبحثِ ما بينَ الأوراقِ فوقَ طاوِلَتِه ، صمتُه مُريبٌ لا يُنذِرُ بأيِّ خَيِّر.
انتزعَ إحدى الأرواقِ أخيراً و عرضَها عليَّ في حينِ كنتُ لا أزالُ أقفُ عندَ المَدخَل ، غيَّرَ من وضعِ نظّارَتِه ثمَّ قرَّبَ من وجهِي الورقةَ حالَ دخلْت

_"عمليّةُ السّيِّدِ مارسيل ، أليسَ قريبَ الطّبيبِ أوليفييه؟"

_"بلى ، هو كذلك"

ازدَرَدْتُ ريقي خائفةً لا أبذلُ جُهداً في إخفاءِ ارتيابِي ، في حينِ أخذَ يهمهمُ هو و يقرأُ بعينيه ما لا طاقةَ لي على رؤيَتِه ، يكادُ ببرودِه هذا يحرقُني

أربعٌ وَ عِشرُونحيث تعيش القصص. اكتشف الآن