22

52 3 4
                                    

طلعَ الفجرُ منذُ وقت ، لحظتُ أشعّتَه الأولى تخترقُ ستائرَ مكتبِ طبيبي الحذقِ و تبلغُ وجهَه ، لم أتلفّظ بحرف ، ظللتُ أتابعُها و هي تتوغّلُ و تضيءُ ملامحَه الحادّةَ و النّاعمةَ في ذاتِ الآن ، تضيءُ وجهَه الغافي باستغراق ، تضيءُ لوحةً تجمعُ أبهى فنونِ هذه الدُّنيا.
لم ينزعج من الضّوءِ بعد ، فالأشعّةُ ما بلغَتْ حدّاً مُفيقاً ، كانَ ينامُ بعمقٍ على الأريكة ، يمدّدُ جسدَه النّحيلَ فوقها ، و يتغطّى بسترته الرّقيقة ، رميتُها على جسده عندما غفى هنالك ، لا أدري لماذا.
لقَدْ قضينا اللّيلَ بطولِه في المستشفى ، ننتظرُ الطّبيبةَ مولن رئيسةَ قسمِ العصبيّةِ كي تأتينا بآخرِ المُعطياتِ المطلوبة ، كانَتْ تجري الفحوصاتِ اللّازمةَ على ماريو بمعونةِ أطبّاءِ العصبيّةِ في قسمها ؛ لم نكن على وفاقٍ في يومٍ من الأيّام ، لكنّنا كنّا نعملُ معاً ببساطةٍ و نحترمُ عملنا ، لم يحدث و تشاجرنا في خلالِ سنواتِ زمالتنا السّتّة ، و بأدقِّ تعبير ، لم يحدث و تناقشنا في شيء ، لو أردنا نرسلُ من يناقشُ عنّا ، نحنُ لا يمكنُ أن نجتمعَ في حوارٍ أو في غرفةٍ واحدة ، هذا مستحيل.
أخبرَني الطّبيبُ أوه أنّهم يشيدون بناءً ملحقاً ببناءِ المُستشفى في الجهةِ الأُخرى ، سيقيمون فيه عياداتٍ إضافيّةً و يتوسّعون في بعض الأقسام ، لذلك يتساهلُ الخنزيرُ لينكولن في جداولِ المناوباتِ في هذه الفترة ، غيرَ أنَّني لم أصدّق أنّ هذا السّببَ الحقيقيّ في قلّةِ العاملين عن العادة ، لم أصدّق أنّ هذا سببَ تصرّفاتهم الغريبةِ في آخرِ فترة ، لا أرى سوى أنّهم يلعبون في فريقٍ واحدٍ ضدّي ، يلعبون باحترافيّةٍ تغطّي على هفواتهم الكثيرة ، و لا أستطيعُ أن أبصرَ هدفَهم بعد ، لا أفهمُه.
غادرتُ المكتبَ قبلما أفاقَ صاحبُه ، و توجّهتُ نحو النّدوة ، لم أجد فيها من أعرف ، طلبتُ قهوةً من جديد ، كنتُ قَدْ فعلتُ منذُ ساعات ، شربتُ شاياً بالحليبِ و تناولتُ بضعةَ أطعمةٍ أيضاً على طولِ اللّيل ، التقيتُ بكثيرٍ من العاملين و الزّملاء ، و خضتُ في محادثاتٍ مع طبيبي و مع أوليڤيه و حتّى مع رئيسةِ قسمِ التّمريض ، و لم تنهِ الإمبراطورةُ تشخيصَها بعد.
ماذا تفعلُ بعدُ مثلاً؟ ماذا يحتاجُ أكثرَ من التّصوير؟ صحيحٌ أنّني لا أتدخّلُ في التّشخيصِ عادةً إلّا في حالِ تطلّبَ الأمرُ تدخّلَ جرّاح ، و جرّاحٍ متمرّسٍ و خبيرٍ أيضاً ، و لا أحفظُ بالضّبطِ إجراءاتهم الرّوتينيّة ، لكنّني أعرفُ جيّداً أنّها ليسَتْ في حاجةٍ لكلِّ هذا الوقتِ في وجودِ الصّورِ و التّحاليلِ الضّروريّةِ من إيطاليا ، أتريدُ أن ترينا كم هي عبقريّةٌ و دقيقة؟ لا أريدُ الخوضَ في خرافةٍ كهذه الآن ، لستُ متفرّغة.
رنَّ هاتفي ، رنّتين متتابعتين قاطعتاني عن الاستغراقِ في كرهِ النّدوةِ و ما فيها ، وجدتُ رقمَ الطّبيبِ أوه ظاهراً على الشّاشة ، فحملتُ قهوتي السّاخنةَ غيرَ الممسوسةِ بعد ، و غادرتُ النّدوةَ إياباً إلى مكتبه.
قابلتُه أمامَ الباب ، لم أكد ألقي السّلامَ عليه قبلما سحبَ كوبَ القهوةِ من يدي ، كدتُ أشتمُه أيضاً ، لكنّني سكتّ ، أجهلُ السّبب.
ارتشفَ من الكوب ، و نظرَ إليّ من تحتِه ، نظرةً لعوبةً تتمرّسُ في اصطناعِ الجدّيّة ، من أين جاءني هذا الرّجل؟

لقد وصلت إلى نهاية الفصول المنشورة.

⏰ آخر تحديث: Apr 16 ⏰

أضِف هذه القصة لمكتبتك كي يصلك إشعار عن فصولها الجديدة!

أربعٌ وَ عِشرُونحيث تعيش القصص. اكتشف الآن