استطعْتُ بالكادِ أن أخمدتُ قليلاً من اشتعالِ ميشيل و بعدَ نصفِ ساعةٍ من التّربيتِ عليه و محاولاتِ إسكاتِه ، طالبي هذا يأكلُه النّدمُ من الدّاخل ، و أنا السّببُ الرّئيسيُّ وراءَ ما فعلَ لم يتّهمني ، و لم تهتزَّ شعرةٌ في رأسي.
الآنَ سأستطيعُ محادثتَه و من ثمَّ مساعدتَه ، أمّا السّيّدُ سيهون ، فسوفَ يقتلُني مع أوّلِ فرصةٍ لا محالة ، فقَدْ أطفأتُ هاتفي بعدَما تركتُه يتّصلُ أربعَ مرّاتٍ دونَ أن أردّ ، لا أعلمُ إن كانَ سيقلقُ عليّ فوقَ غضبِه ، و لا يُهِمُّني.. إلّا قليلاً.
جلستُ أمامَ ميشيل مجدّداً من بعدِ ما كنتُ أجلسُ إلى جانبِه ، ثمَّ تحمحمتُ ألفتُ إليَّ نظرَه التّائه_"ميشيل ، ألم تقل أنَّ السّيّدَ قَدْ توفِّيَ قبلَ يومين من العمليّة؟ هذا يعني أنَّنا لم نكن نستطيعُ إنقاذَه على سائرِ الأحوال"
_"الرّجلُ توفِّيَ بسكتةٍ قلبيّةٍ.. بسببِ الضّغط.."
_"هل علمَ بما حدث؟"
أسندَ وجهَه إلى راحةِ كفَّيه ، و شرعَ يضغطُ على أعصابِ جبهتِه ، ولّدَ لديَّ هذا الفعلُ ألماً مقارباً للألمِ الذّي أخالُه عابثاً في قلبِ رأسِه ، و آنَ نظرَ نحوي من أسفل ، اختفى الألم ، و حلَّ محلَّه فرحٌ غريب ، فرحٌ بوصولي أعتابَ تضميدِ الجرحِ في قلبِه
_"لا أعلم.."
_"مستحيلٌ يا ميشيل ، الرّجلُ لم يكن يستجيبُ لأحد ، حالُه كانَتْ سيّئةً جدّاً"
نهضْتُ أخيراً ، و رُحْتُ أجلسُ القرفصاءَ أمامَه أردُّ عنه سوءَ الأفكار ، هذه كانَتْ أوّلَ مرّةٍ ألمحُ فيها دموعَ ميشيل العاطفيّةَ هذه ، أوّلَ مرّةً أجدُ فيها وجهَه المُزعِجَ قَدْ سقط ، و تركَ الهوانَ يتجلّى في كلِّ ركنٍ من أركانِ وجهِه الحقيقيّ.
لماذا انهيارُ الرّجالِ أكثرُ قسوةً من انهيارِنا نحنُ النّساء؟ لا ، هذا السّؤالُ ليسَ في محلِّه على الإطلاق ، هذا السّؤالُ ساذجٌ إلى حدٍّ خارقٍ و لا يمثّلُ فكرَ الطّبيبةِ دارسي ، فالسّؤالُ الحقيقيّ لا يقارنُ ما بين الرّجالِ و النّساءِ على هذا النّحوِ السّطحيّ ، بل يقارنُ بين الغارقِ في أوجهِ تعبيرٍ بعيدةٍ عن الانهيار ، و بين المُتباكي من النّاس ، ربّما يكونُ وقعُ انهياري أنا لدى طُلّابي غيرَ هيِّن ، تماماً كما هو انهيارُ ميشيل الآن عليّ_"أنا أتعبُكِ بهمومي بروفيسورة.."
_"إن لم يكن لديكَ ما تقولُه فحافظ على صمتِكَ رجاءً يا ميشيل"
أصدرَ ضحكةً مشوَّهةً أخلَّتْ بتشهّقاتِه ، ثمَّ شرعَ يمسحُ وجهَه بسرعةٍ يحاولُ بها قلبَ حالِه رأساً على عقب ، هذا ميشيل ، لن يتغيّرَ و لا أريدُ أن يفعل.
عُدْتُ أقفُ مُجدّداً ، و بدلاً من أن أنتقل ، ظللتُ في مكاني أراقبُ كيفَ ينهضُ عنادُه بدواخلِه و ينفضُ عنها غبارَ الحداد ، كانَ ميشيل ينتظرُ أن يرميَ أحدٌ ذنبَ القتلِ عن كاهلِه ، لهذا جاءَني ، أنا صاحبةُ اللّسانِ السّليطِ و الصّريح ، و التّي إن لم تجد لما فعلَ تبريراً ، كانَتْ ستحملُ ذنبَه على عاتقِها ، تماماً كما فعلَتْ منذُ أعوام ، فهذا العاتقُ أقوى من أن يزحزحَه ضميرٌ بمسوّغاتٍ تافهةٍ لأشياءَ يستحيلُ إعادةُ النّظرِ في أمرِها ، هذا كانَ إيماني فيما سبق ، أمّا الآن ، فأرجو أن أنهيَ حياتي بأقلَّ ما يمكنُ من الذّنوب ، أليسَ هذا ممكناً؟
أنت تقرأ
أربعٌ وَ عِشرُون
Fanfictionمتوقّفة مُؤّقتاً أمامي أربعٌ و عشرون لأندمَ كما ينبغي ، أربعٌ و عشرون لأحلمَ كما أشتهي ، أربعٌ و عشرون لأُفاجَأَ حتى أكتفي و أربعٌ و عشرون لأستسلم.. أربعٌ و عشرون لأعيش .... الطّبيبةُ دارسي مارتن ، في مواجهةِ واقعِها و...