14

49 3 5
                                    

وصلْنا إلى المستشفى قبيلَ موعدِ عمليّةِ هوغو بخمسِ دقائق ، و قَدْ ساهمَ هذا الخبرِ بتهدئةِ لهيبِ الجرحِ الذّي افتعلَه سيهون في قلبي منذُ وقت ، و الذّي بتُّ أؤمنُ بأنَّ شفاءَه لن يحلَّ قبلَ حلولِ موتي.
خاصّةً و أنَّه جاءَني قبلَ أربعٍ و عشرين يوماً من موتي يرجوني البقاءَ على قيدِ الحياة ، لأجلِ ألّا يفقدَ أحداً من بعدِ ما فقدَ أغلى شخصٍ عليه ؛ كانَتْ تُدعَى هيلين ، و كانَتْ أجملَ و أرقَّ بكثيرٍ منّي..
كانَتْ أفضلَ منّي بألفِ مرّة ، لا أُقارَنُ بها أبداً ، و يستحيلُ أن أحصلَ على مكانةٍ في قلبِه في ظلِّ أنَّها تمتلكُه بأكملِه و حتّى و هي في عالمٍ آخر ، هذه هي الحقيقة ، كما الحقيقةُ أنّني و لو رحلْتُ أيضاً لن أحدثَ فارقاً على العكسِ ممّا يظنّ ، فهو قَدْ فقدَ من هي أهمُّ منّي.
الآن باتَ أمامي أربعٌ و عشرون يوماً لأحقّقَ رغبتي ، أربعٌ و عشرون يوماً لأضعَ بصمةً في ذاكرةِ كلِّ من كانَ يعرفُني ، لأشعرَ يومَ أموتُ أنَّني لستُ وحيدة ، و لم أكن يوماً عالةً على الكوكب.
احتجزْتُ دموعي بقوّةٍ ثمَّ سرْتُ نحو المغاسلِ أوّلاً ، كانَ هوغو في الدّاخلِ برفقةِ الأطبّاءِ المشاركين ، و جميعُهم صُعِقَ حالَ رؤيتي.
كانَ هوغو منهمكاً بغسلِ يديه ، فما التفتَ نحو البابِ يعاينُ هويّةَ القادمِ إلى أن مرّتْ برهةٌ وجيزة ، و آنَ تعرّفَ إليّ أشرقَ وجهُه ، و انكبَّ يحاولُ تحيّتي و الانحناءَ لي

_"طبيبة دارسي! جئتِ حقّاً!"

_"و كيف لا أفعل؟ أتريدُ أن أفوّتَ عمليّةَ أفضلِ طُلّابي الأولى؟"

عانقتُه على استعجالٍ ثمَّ دفعتُ بجسدِه إلى مجموعتِه ، يجبُ أن يخوضَ طقوسَ العمليّةِ بكاملِ الجدّيّة ، و إلّا لن ينجحَ في إثباتِ نفسِه

.
.
.

جلسْتُ في مكتبِ سيهون ريثَما ينهي هوغو عمليّتَه ، كُنْتُ قَدْ حضرْتُ بادءها أحقّقُ مجموعةَ أهداف ، ظاهرُها تشجيعُه ، و باطنُها الاطمئنانُ عليه و على مسيرِ عملِه.
جاءَنا سيهون بكوبي قهوةٍ على استعجالٍ و جلسَ مقابلاً لي ، كنّا قَدِ اتّفقْنا على خوضِ حديثٍ كانَ يريدُ فتحَ بابِه في البيتِ و أغلقتُه أنا ، و الآن يُفتَرَضُ ألّا نؤجّلَه ، لأنَّه في اعتبارِه مهمٌّ جدّاً

_"إذاً ، ما هو حديثُكَ المهمُّ هذا؟"

ارتشفَ من كوبِه و راحَ ينظرُ نحوي ، بدا غائباً تماماً عن المشهد ، و أرى من وراءِ هذا الغيابِ سرّاً خطيراً قَدْ لا يروقُني.
كُنْتُ بادئ ذي بدءٍ أكذّبُ كلَّ قولِه ، خاصّةً معلومةَ اختصاصِه ، فَقَدْ أعلمَني بأنَّه جراحةٌ قلبيّة ، في حينِ جاءَ به أوليفيه ليفحصَ حالي في يومِ أصابتْني النّوبة ، و قَدْ بدا انزعاجُ ميشيل منه غريباً بعض الشّيء.
إلّا أنَّني الآن تأكّدْتُ من أنّني قَدْ ظلمتُه ، ذلك لأنَّني في مكتبِ رئيسِ قسمِ الجراحةِ القلبيّة ، و أمامَ عينيّ بالضّبطِ أرى اسمَه منقوشاً على لوحةِ التّعريفِ برفقةِ منصبِه ، و لذا ، لا يُمكنُ أن أشكَّ في هذا الأمرِ أبداً

أربعٌ وَ عِشرُونحيث تعيش القصص. اكتشف الآن