10

55 4 50
                                    

~اليومُ السّادسُ و العشرون~

تنهّدْتُ حتّى كادَتِ التّنهيدةُ لثقلِ الهمومِ تطيرُ بأفكاري الباقيةِ بعيداً.
ما كانَتِ الشّمسُ قَدْ تجاوزَتْ موضِعَ الفجرِ بعد ، كما ما تجاوزَتْ منامتي وصفَ الغفوةِ ، و ما تجاوزَتْ أفكاري قيمةَ الهراءِ بعد.
نهضْتُ ببطءٍ شديدٍ و رُحْتُ أفتحُ النّوافذ ، و أستقبلُ لاحاتِ و نسماتِ الصّباحِ الأولى ، كلُّ شيءٍ هادئٌ في هذه السّاعةِ عدا النّسماتِ الرّقيقةِ الباردة ، و بعدَ وهلة ، بدأَتْ زقزقةُ العصافيرِ تمرُّ على مسمعي ، و تغمرُ قلبي بحلاوةِ البدايات.
عُدْتُ أفكّرُ من بعدِ ما ذابَتْ روحي ما بين ألوانِ السّماء و تناغمِها مع خضرةِ الأشجار ، عُدْتُ أفكّرُ في وضعي.
جلُّ ما أفكّرُ فيه كانَ وعدي لأوليفيه المقيتُ بالعودةِ إلى باريس ، و دافعُ نقضِه الأكبرُ و المستعجلُ الحاضرُ من فورِ ما غادرَ و غابَ ظلُّه ، أعني النّوبة ، و التّي جاءَتْ بذكرى واحدٍ من شجاراتِنا الأكبر.
كُنّا طالبين في العامِ الأوّل ، و في ذاتِ يومِ انفصالِه عن الفتاةِ التّي أحبَّها ، كانَ يريدُ لو يقبّلُني أمامَ الجميعِ و يستردَّ مكانتَه و التئامَ قلبِه المكسور ، بَيْدَ أنَّني ما عاونتُه ، و ضربتُه أمامَ كلِّ زملائنا أكسرُ ما هو أغلى ممّا كسرتْه ، أكسرُ كبرياءه.
لا أميّزُ لو كُنْتُ نادمةً في أمرِه أو لا ، فَقَدْ وجدَ ضربتي تلك دافعاً للتّحسّن ، و لولاها ما نجحَ في العامِ الأوّل ، حتّى أنَّها الحدثُ الذّي عرّفَنا و قرّبَنا إلى بعضِنا ، على أنَّه أوليفيه مارسيل الشّابُّ المشهورُ في الجامعة ، و أنا دارسي مارتن الفتاةُ الأُولى التّي أعادَتْ إليه وعيَه

.
.
.

مرَّ وقتٌ طويلٌ بي و أنا على ذاتِ حالي السّابقة ، أجلسُ أمام النّافذةِ أستنشقُ نقاءَ الهواء ، و لا أقومُ بما هو مغاير ، أنتظرُ و حسبُ مجهولاً أجهلُ ما سيأتيني به بمعاونةِ حدسي.
استسلمْتُ إذ بدأ نورُ الشّمسِ يقابلُ ظلامَ جوفِ عينيّ ، و نهضْتُ أجيءُ بهاتفي من مكانِه ، كُنْتُ قَدْ راسلْتُ سيهون مُذْ صحوتُ ، و أجهلُ إن كانَ قَدِ استيقظَ بعدُ أو لم يفعل.
أتوقّعُ لو لم يفعل ، سأكونُ في ورطةٍ حقيقيّةٍ لساعتين كاملتين ، ورطةِ الإبقاءِ عليّ وحيدةً في وجهِ سيوفِ فكري.
شغّلتُ هاتفي بسرعة ، و إذ به يستقبلُ إشعارَ رسالةٍ منذُ نصفِ ساعة ، كانَ هو ، و قَدْ وافقَ حضورُ ردِّه تكهّنَ حدسي ، و رافقَ حضورَ راحتي

'ما بكِ دارسي؟ لماذا تراسلينني في هذا الوقت؟ هل أنتِ بخير؟'

'أنا خائفة'

انتظرتُ إجابتَه برهةً وجيزةً أستجيبُ لأحاسيسي الغبيّةِ بفرضِ الهدوء ، غيرَ أنَّ انتظاري ما عادَ برسالةٍ كما ظننت ، و إنّما عادَ باتّصالٍ مستعجلٍ منه جعلَني أفقدُ شيئاً من السّيطرة.
تبسّمَ وجهي احتفاءً به من بعدِ ما ربّتَ طيفُه في الخيالِ على قلبي ، و حملتُ هاتفي إلى أذني أشعرُ برغبةٍ في معانقتِه ، علَّ اقترابَ صوتِه يشبعُ رغبتي في محادثةِ شخصٍ ما

أربعٌ وَ عِشرُونحيث تعيش القصص. اكتشف الآن