الصّورةُ المُستعادَةُ لا أحبّذُ استعادتَها ، لكنَّها و رغماً عن أنفي تشكّلَتْ و ثبتَتْ.
صورةُ إحدى غرفِ المستشفى ، و في يومِ بدأتْ أعراضُ الغطرسةِ تتبلورُ في شخصيّتي و تستحيلُ حقيقة ، يومَ قُدْتُ أوّلَ عمليّةٍ كطبيبةٍ مُشرِفة ، و بمعاونةِ أطبّاءَ لا أزيدُهم عمراً أو إجازة.
المريضُ في ذلك الوقتِ كانَ يعاني من جلطاتٍ دماغيّةٍ ثلاثٍ حالُ اثنتين منها مستعصية ، كما عانى من تصلّبٍ في شرايين الجسد ، اضطرّتنا لالتزامِ كثيرٍ من الدّقّةِ في التّعامُلِ معها ، و قَدْ نجحَتِ العمليّةُ و على الرَّغمِ من نسبةِ نجاحِها الضّئيلة.
أمّا ما يخجلُني الآن في أمرِها كانَ قسوةَ تعامُلِي مع المريضِ من بعدِها ، إذ كشفتُه يرجو الممرِّضةَ أن تهرّبَ له سجائرَ ليدخّنَ في المستشفى ، و قَدْ زدْتُ في توبيخِه متجاوزةً حالَه و عمرَه و مكانتَه ، كما طلبتُ منه في النّهايةِ أن يتبرّعَ لكليّةِ الطّبِّ بجثّتِه على وجهِ السّرعة ، ليكونَ عبرة ، و لأنَّه لن يطيلَ البقاءَ في عالمِنا على هذه الحال.
.
.تخلخلَ الضّوءُ بطيئاً في العتمةِ حتّى حلَّها ببطءٍ شديد ، و أظهرَ من خلفِ ستائرِها مكاناً لا أعرفُه ، و لم أستطعِ التّعرّفَ إليه و حتّى بعد مرورِ دقائقِ استعادةِ الوعي الأُولى ، ظلَّ مجهولاً بالنّسبةِ لذاكرتي.
رفعْتُ رأسي بتهالكٍ أحظى برؤيةٍ أفضل ، و آنَ رأيتُ أجهزةَ تخطيطِ القلبِ كِدْتُ أفقدُ رشدي ، غَيْرَ أنَّني تمسّكْتُ به و في آخرِ لحظةٍ من بعدِ ما تفحّصْتُ بقيّةَ الأثثِ و أدركت ، أنا محاطةٌ بأغطيةِ سريرٍ في غرفةِ نومٍ غريبةِ الطّراز.
نزعْتُ عن جسدي ملحقاتِ الأجهزةِ و رتَّبْتُ ملابسي ، ثمَّ نهضْتُ أهمُّ بالمغادرة ، و قبلَما وصلْتُ بابَ الغرفة ، لمحْتُ السّترةَ التّي كانَ يرتديها سيهون صباحَ اليومِ على إحدى الكراسي ، ثمَّ صورةَ امرأةٍ معلّقةً على الجدارِ أمامَ السّريرِ بالضّبط ، امرأةٍ لا تبدو آسيويّة ، و جميلةٍ جدّاً.
لا أستطيعُ تحديدَ خطبي ، لكنَّني و على حينِ غرّةٍ بتُّ أواجهُ غصّةً غريبةً تنهشُ في جوفِ صدري ، و تكادُ تدفعُني للبكاء.
تحاملْتُ على نفسي الصّبرَ و تابعْتُ طريقي نحو الخارجِ أطالبُ روحي بالسّكينة ، فبغيرها لن أتمكّنَ من التّعامُلِ مع السّيّدِ الذّي جاءَ بي هنا.
بحثْتُ عنه في لحظةِ وصلْتُ خارجَ الغرفة ، كانَ يجلسُ على الكنبةِ في صالةِ البيتِ منهمكاً بأشغالِ هاتفِه ، و ظلَّ على حالِه إلى أن وقفْتُ بجانبِه ، إذ وضعَ هاتفَه جانباً و كأنّه يخفيه عنّي ، و نهضَ من فورِه يتفحّصُ حالي_"دارسي؟ متى أفقتِ؟"
_"منذ لحظات ، أين نحن؟"
_"في منزلي"
قطبْتُ حاجبيّ و ساعديّ من ثمّ أنظرُ إليه على نحوٍ مستهجن ، لم أوافق من قبلُ على القدومِ هنا ، و لم أكن لأفعلَ لو سألَني رأيي ، غَيْرَ أنَّ هذا لم يكن دافعي الأكبرَ لمعاملتِه بكلِّ هذه الجدّيّة
أنت تقرأ
أربعٌ وَ عِشرُون
Fanfictionمتوقّفة مُؤّقتاً أمامي أربعٌ و عشرون لأندمَ كما ينبغي ، أربعٌ و عشرون لأحلمَ كما أشتهي ، أربعٌ و عشرون لأُفاجَأَ حتى أكتفي و أربعٌ و عشرون لأستسلم.. أربعٌ و عشرون لأعيش .... الطّبيبةُ دارسي مارتن ، في مواجهةِ واقعِها و...