05

56 1 37
                                    

مرَّ شهرٌ كاملٌ على نقلِ معيشتي و قلبِ أساساتِها ، خلالَ هذا الشّهرِ اكتشفْتُ أشياءَ كثيرة ، غالبُها متعلِّقٌ بالجهازِ العصبيِّ للإنسان ، و بعضُها بحالي الجسديّة ، و أقلُّها عن الرّجلِ المجهولِ الذّي كلَّمَني في أوّلِ يومٍ بتُّ فيه هنا.
أبدأُ الحديثَ بأحدثِ أبحاثي و أكثرِها دقّة ، و الذّي سمحَتْ لي هجرتي من حياتي السّابقةِ بالبدءِ فيه و العملِ عليه ، و لا أعرفُ إن كُنْتُ سأستطيعُ إتمامَه قبلَ إتمامِ حياتي.
أمّا حالتي الجسديّة ، فجلُّ ما اكتشفتُه أنَّها أعراضٌ لم يسبقني إليها أحدٌ من قبل بجسدٍ سليمٍ كما جسدي.
استعنْتُ بممرِّضةٍ من مستوصفِ القريةِ المجاورةِ لتعاين الأعراضَ على مدارِ يومين ، و أحضرنا جهازَ تخطيطٍ للقلب ، اكتشفْنا معاً أنَّ قلبي يتوقَّفُ في خلالِ كلِّ نوبةٍ ثمَّ يعودُ للعملِ و دون أن يحملَ ضرراً أو علّة ، و على نحوٍ لا يصدّقُه عقل.
لكنَّ الأهمَّ في أمرِ هذه الحالة أنَّ وقتَ خوضِ النّوبةِ يزدادُ في كلِّ يومٍ بمعدَّلِ سبعةَ عشرَ ثانيةٍ و اثنين و خمسين جزءاً من الثّانية ، ببعضِ الحساباتِ عرفتُ أنَّ النّوبةَ اليومَ قدْ بلغَتْ دقيقةً و أربعاً و عشرين ثانية ، يعني هذا أنَّ أمامي ثلاثين يوماً و سوف تبلغُ النّوبةُ عشرَ دقائق ، و سوف أموتُ طبعاً.
يجبُ أن أبلغَ ما هو مفيدٌ في هذه الأيّامِ الثلاثين ، و إلّا سأموتُ و أنا نادمة ، و الطّبيبةُ دارسي لا تعرفُ النّدم.
أمّا بالنّسبةِ للرّجلِ الغامض ، فَقَدْ بلغَني أنَّه ليس من بلادِنا ، أخبرتْني الممرّضَةُ لونا إذ استخدمَتْ رقمَه في الوصولِ إلى أحدِ حساباتِه على الشّابكة ، تقولُ أنَّه آسيويّ ، لكنَّها لم تستطعِ الوصولَ إلى معرفةِ بلادِه ، كما أنَّه لا ينشرُ شيئاً على الإطلاقِ سوى بعض الصّورِ التّي يظهرُ فيها بعضٌ من وجهِه ، لكنَّها شهدَتْ بأنَّه حسنُ المظهر.
أخبرتُه ليلةَ البارحةِ بما وصلْتُ إليه عنه و عن نفسي ، و سخرتُ من أسلوبِه في التّصويرِ و مع أنَّني لم أرَ منه شيئاً ، أردْتُ أن يسأمَ منّي أو يهاجمَني ، بَيْدَ أنَّه لم يجبني ، و لم يعد يراسلُني أبداً مُذْ أخبرتُه بأنَّني سأموتُ بعد ثلاثين يوماً.
لا يُهِمُّ الآن ، المُهِمُّ أنَّني قرَّرْتُ الاعتذارَ من أوليفيه على ما فعلُته طوال الوقت ، قرَّرْتُ أن أتركَ لديه و لدى طلّابي واحداً تلو الآخرِ ذكرى طيّبةً كما تركَ لديَّ البروفيسور جيرو و البروفيسورة لونغليه.
بلغَ عددُ رسائلِه غيرِ المقروءةِ ثلاثةَ آلافٍ تقريباً ، و الاتّصالاتُ لا تُعَدّ ، لم ييأس أبداً من إجابتي و على الرَّغمِ من أنَّني لم أجبه مطلقاً و لم أودّعه ، و هذا ما جعلَني بادئ الأمرِ أشكُّ في أنَّه ذاته الرّجلُ المجهولُ خاصّتي.
اتّصلْتُ به في الثّالثةِ ظهراً ، لأنَّني أريدُ تركَ خطِّ رجعة ، ففي هذا الموعدِ بالذّاتِ يكونُ أوليفيه نائماً ، و لا يستيقظُ حتّى لو انتهى العالمُ على حدِّ قولِه

_"دارسي!"

فاجأَ توقُّعاتي صوتُه الأجشُّ و رمى بها أرضاً ، و بسرعةٍ خياليّةٍ و كأنَّه كانَ جالساً أمامَ شاشةِ هاتفِه ينتظرُ مكالمتي هذه.
ضحكْتُ في سرّي ، و أخذْتُ أفكّرُ في الموضوعِ الذّي يتوجَّبُ عليّ فتحُه أوّلاً معه ، لن أعتذرَ منه عبرَ الهاتفِ طبعاً ، لذلك يجبُ عليّ بدءُ دعوتِه على نحوٍ سخيفٍ بعض الشّيء

أربعٌ وَ عِشرُونحيث تعيش القصص. اكتشف الآن