كلُّ شيءٍ نقدمُ عليه تلسعُنا مساوِئه و متاعِبُه ، فنحنُ يومَ حَلُمْنا به ما رأينا منه سوى خيرِه ، و لحظةَ نرفضُ إسداءَه حقَّه أو نعجزُ عنه ، سيرمي بنا بعيداً.
تجدَّدَتْ أحقيَّةَ هذا الإيمانِ في داخلي بفضلِ عيني طبيبٍ حديث ، كانَتْ قد وُلِدَتْ في ساعةٍ من ساعاتِ الامتحانِ الأوَّلِ لي في الجامعة ، و كَبُرَتْ معي حتّى بعدَ تَخرُّجِي بعشرِ أعوام.
وجبَ عليَّ نقلُ هذا الإيمانِ إلى قلبِ الطَّبيبِ اليافعِ هذا ، فهوَ المُتدرِّبُ الجديدُ في فريقي ، و يُفتَرَضُ به ألّا يُشوِّهَ بأيِّ خطأ سُمعَتِي.
ما بَنَيْتُها عبرَ سبيلٍ سهل ، سُمعتِي نتاجُ سبعةَ عشرَ عاماً من العملِ و الدّراسات ، و قدْ تحمَّلْتُ لأجلِها كثيراً من الإذلالِ و الصَّبرِ و التَّعَب و الإهانات ؛ تحمَّلْتُ السَّهرَ و أصعبَ المعلومات ، تحمَّلْتُ كثيراً حتّى وصَلْتُ هدفِي ، وصَلْتُ رئاسةَ قسمِ الجراحةِ في المُستَشفى الأميريكيِّ في باريس.
ألقَيْتُ بتعليماتي على مسامعِ ثلاثةِ أطبّاء ، ثمَّ سِرْتُ أمامَهم باتّجاهِ غُرفِ التّجهيزات.
ليسَتْ أوّلَ عمليّةٍ أُشرِفُ على إجرائها ، لكنَّها الأُولى التي يخوضُها شابٌّ أحدُ الأطبّاءِ المذكورين ، و هذا ما يضعُ على عاتقِي مزيداً من المسؤوليّات.
بدَّلَ كلٌّ ملابسَه و جهَّزَ ذاتَه في وَحدَةِ التّعقيمِ على أكملِ وجهٍ قبلَ دخولِ غُرفةِ العمليّات ؛ تحقَّقْتُ سريعاً من الجاهزيّةِ النّفسيّةِ للجميع ، لمَسْتُ كتفَ الشّابِّ أطمئنُه ، ثمَّ دخَلْت_"ستنجحُ هذه العمليّةُ دون ريب"
تبسَّمْتُ فخورةً بما طرحَ الأطبّاءُ من تعليقاتٍ دونَ وعيي ، تخفَّتْ و لحسنِ الحظِّ ابتسامَتِي وراءَ قناعِ الوجه ، فأنا لا أريدُ لأيِّ المُشارِكين في هذه العمليّةِ أن يخرجُوا عن نطاقِ الجديّةِ و لو قَيْدَ شعرة.
قَرِبْتُ سريرَ المريضِ فورَما دَخَلْتُ ، ثمَّ و بعدَما اطَّلَعْتُ على تقريرِ طبيبِ التّخديرِ لوَّحتُ للمريضِ المُقبِلِ على فقدانِ وعيه_"هل أنتَ مُستَعِدّ؟"
_"الأرانبُ تطيرُ يا سالي"
قهقهَ من في الغُرفةِ فأسكَتُّهم بحمحمةٍ مُنزَعِجة ، غالبيّةُ المرضى تحتَ التّخديرِ يهدسون بما ما له من الواقعِ أيُّ مُقارب ، و هذا لا يعني أن نفقدَ تركيزَنا قبلَ العمليّة.
لمَسْتُ وجهَ المريضِ مرّاتٍ عدّةً حتّى تأكَّدَ لي رضوخُ جسدِه كاملاً أمامَ تأثيرِ جُرعةِ المُخدِّر ، ثمَّ نادَيْتُ على الطّبيبِ هوغو ، الطّبيبِ الحديثِ فيما بيننا ، و أنبأتُه بأمرِ أن يفتتحَ مُعضِلةَ شقِّ الجمجمة.
غطّاه بأقمشةٍ خاصّة ، و في منتصفِ الجبهةِ حيثُ يُفترَضُ أن تُشقَّ الجمجمةُ مزَّقَ شيئاً من الأقمشة ، هزَزْتُ برأسِي حالَ نظرَ نحوي مُتوتِّراً ، ثمَّ تقدَّمْتُ من السّريرِ أتحقَّقُ من صحّةِ ما فعل_"جيِّد"
هَمَسْتُ ، ثمَّ مرَّرْتُ له مِشرَطاً آخرَ ناولَتْني هو مُمرِّضة ، أشَرْتُ بحاجِبَيَّ أعلنُ عن رغبَتِي ، الطَّبيبُ الجديدُ _أي هوغو_ هو من سيبتدئ العملَ الخطيرَ هذا.
ما توتَّرَ و ما تردَّدَ في استلامِ ما في يدي ، أمرٌ زادَ داخلي ثقةً تتعلَّقُ بنجاحِ ما أفعل ، و رفعَ من مكانَتِه في اعتبارِي.
تأكَّدَ من نظافةِ البقعةِ حيثُ نعملُ و خلوِّها من الشَّعر ، و مرَّرَ فوقَها المشرطَ يفتحُ لنا الطَّريقَ لمواجهةِ العظام.
تجمهرَ الأطبّاءُ فوقَ رأسِ المريضِ يراقبُون حالَه و حالَ سيرِ العمليّةِ ليشارِكُوا في صياغَتِها ، و أنا قد كنتُ ألاحقُ مشرطَ هوغو حيثُ يتَّجِه.
أنهى و أرضى بما يفعلُ غرورِي ، فَقَدْ مثَّلَ قراراً صائباً جديداً تتَّخِذُه أفضلُ أطبّاءِ البلاد.
تناوَلْتُ بنفسِي آلةَ قصِّ الجمجمة ، فتراجعَ هوغو إلى الخلفِ لا يصدِّقُ ما حدثَ قبلَ هنيهة ، ذلك لأنَّه توقَّعَ بقاءَه مراقباً.
أشرْتُ له كي يركِّزَ فيما سأفعل ، ذلك لأنَّني أعرفُ ما يدورُ في عقلِه من حماسٍ الآن ، و الحماسُ الزّائدُ عائقٌ في وجهِ التّعلُّمِ السّليم.
شغَّلْتُ الجهازَ و نَجَحْتُ في إظهارِ الدِّماغِ دونَ مُشكلات ، سجّلَ أحدُ الأطبّاءِ ملاحظاتٍ عن شكلِ الفصِّ الجبهيِّ من دماغِ المريض ، و بدا هوغو مُتعجِّباً لما يرى.
ورمٌ سحائيٌّ عويصٌ قربَ باحةِ التّرابُطِ أمام الجبهيّةِ ، ممتدٌّ في أغشيةِ السّحايا المحيطةِ بباحةِ برودمان العاشرةِ إلى المحيطةِ بالسّابعةِ و الأربعين ، و استئصالُه يتطلَّبُ أعلى دقّةٍ و تركيزٍ سُجِّلا في تاريخِ قدرةِ البشر ، فالورمُ قَدْ يؤذي أيُّ خطأ بسيطٍ في استئصالِه عدّةَ باحاتٍ من الدّماغ ، فيفقدُ المريضُ وظيفةً من وظائفِ الدّماغِ في أقلِّ ضررٍ يحدِثُه.
مَسَحَ لي أحدُ المُمرِّضين جبيني ، و وقفَ الطّبيبان المُساعِدان يأخذان قياساتِ الورمِ و يقارنانها مع القياساتِ في الصُّوَر الإشعاعيّةِ و التّقارير_"الورمُ أكبرُ من المتوقَّع"
_"ما نفعلُ أيَّتُها الطّبيبة؟"
_"سأفعلُها"
توجَّهَ إليَّ هوغو أوّلاً ، أمّا الطّبيبان الآخران فتردّدا ، ذلك لأنَّنا ما تهيَّأنا من جهةِ العتادِ و الإخطارِ لأمرٍ كهذا ، لكنَّ سخيفاً كهذا لن يقفَ عائقاً في وجهِي ، ستنجحُ هذه العمليّةُ دونَ رَيب!
.
.
.
.
🩺يتبع🩺هوني هناا🥺🥺💓💓
أحبكمم🥺🥺💓💓💓
أي أفكار؟🥺+
كيف أحوالكم؟
أنا فقط أعيدُ ترتيب القصّةِ و إحياءها ، لن يُعدَّلَ على الفصول
أتمنّى لكم أوقاتاً سعيدة ، شكراً لاهتمامكم♥️
أنت تقرأ
أربعٌ وَ عِشرُون
Hayran Kurguمتوقّفة مُؤّقتاً أمامي أربعٌ و عشرون لأندمَ كما ينبغي ، أربعٌ و عشرون لأحلمَ كما أشتهي ، أربعٌ و عشرون لأُفاجَأَ حتى أكتفي و أربعٌ و عشرون لأستسلم.. أربعٌ و عشرون لأعيش .... الطّبيبةُ دارسي مارتن ، في مواجهةِ واقعِها و...