النظرة الأولى
نظراتٌ حادة تترقب كل جزء يمر به ذاك الفارس الوسيم.
شعره الأسود يتدلى أسفل العمامة التي يضعها على رأسه ليتلاشى حرارة الشمس.
قطرات العرق تتساقط من على وجهه كتساقط الأمطار على ورقات الشجر.
عيون واسعة مترقبة كعيون الصقر الذي ينتظر ظهور فريسته لينقض عليها بخنجره.
(ظــــــــافــــــــر) شابُّ مفتول العضلات، يرتدي زي البدو الفضفاض ويمسك بيده عصا سميكة ملتوية إلى حدٍّ ما.
وقف ظافر للحظات ليلتقط أنفاسه وأسقط من خلف ظهره لفافةً يحملها أخرج منها قربة الماء، وارتشف قدرًا صغيرًا ليُبلل فمه، فكانت حرارة الشمس لا تُطاق ويأمل أن تصمد باقي المياه معه حتى يُكمل ما أتى من أجله.
ظل يسير ويسير وكأنه يستمتع بالسير في تلك الصحراء حتى إنه بدأ يدندن ويطلق صفيرًا ولا يُبالي بحرارة الشمس أو مِن السير وحيدًا في هذا المكان.
توقف (ظافر) فجأةً حينما لمح من بعيدٍ شيئًا ما ملونًا ملقى على الأرض.
أسرع إليه ليتحقق منه، فوجد جسد فتاة مغطى بالرمال، وشعرها يتطاير على وجهها ليخفي ملامحه.
جلس (ظافر) على ركبتيه وأمسك بحذرٍ خصلات شعر الفتاة ليبعدها عن وجهها.
لمعت عيناه عندما رأى جمالها العربي الطاغي وبعد شروده بدقائقَ معدودةٍ سحب قارورة الماء، ووضع بعض القطرات على وجه الفتاة وعلى فمها الوردي.
ما إن شعرت بتول بقطرات الماء على فمها حتى بدأت تستعيد وعيها وأمسكتْ بقوةٍ يد ظافر لتلقف منه قارورة الماء وتسكبها بقوة داخل فمها.
غضب ظافر وصاح بها:
- صبرًا يا فتاة لا تشربي الماء كله؛ فليس لدي الكثير ليكفيني، هيا دعيها فقد شربتِ مقدار ما يروي ظمأكِ.
انتبهت بتول ونظرت إليه في دهشة قائلة:
- من أنت؟ ومن أين أتيت؟!
نظر إليها ظافر بحدة وبعد صمته بلحظات قال:
- أتيتُ من حيث أتيتِ يا جميلة الصحراء.
انتفضت بتول من موضعها محاولة الوقوف وسرعان ما سقطت مرة أخرى.
- رأسي.....
- ما بكِ؟ هل تأذيتِ.
- لقد ارتطمتُ بشدةٍ على الأرض عندما أسقطني ذاك الغبي (رمح).
- من هو رمح؟ صديقك؟!
- هاهاهاها، بل الفرس الغبي الذي كنت أمتطيه.
- نعم فهمت ومتوقع منه أن يُسقطك هكذا.
نظرت إليه بتول بعمقٍ ودهشة بعد تلك الجملة قائلة:
- ولماذا مُتوقع منه إسقاطي؟!
- لأن أي حيوان، أو أي مخلوق بمعنى أدق لديه ولو قليل من الذكاء لا يمر من هنا أبدًا.
- ماذا تقول؟
- مثلما سمعتِ، هل تعلمين أين أنتِ الآن يا جميلة؟
- لا، وكيف لي أن أعلم؟؟ لقد ركضتُ مبتعدة قدر المستطاع، وكان الظلام دامسًا، وذاك الغبي رمح أخذ يجري ويجري حتى توقف هنا، أين أنا؟
اقترب ظافر من وجهها وهمس في أذنها:
- أنتِ في الربـــــــــع الخــــالــــــي عزيزتي.
تسمرت بتول قليلًا وفتحت فمها عن آخره ثم قالت وهي ترتجف: "أهذا الذي يروون عنه الأساطير الخرافية ما بين سحر وشياطين ووحوش وغيرهم من الأهوال؟".
- نعم، هو كذلك أيتها البلهاء.
صاحت بتول بغضب:
- لا تقل بلهاء، وإذا كنت كذلك فأنت مثلي تمامًا؛ على الأقل أنا لا أعلم أين أنا، وأنت أتيت إلى هنا وأنت على علمٍ بهذا المكان.
- حسنًا أصبتِ يا سمراء ولكن لديَّ أسبابي.
- وما هي أيها الذكي؟!
ارتبك ظافر ثم قال:
- قولي لي أولًا لماذا أتيتِ أنتِ إلى هنا؟!
- كنت أفر من السجن.
- ماذا؟!
- نعم كما سمعت، كنت سجينة شاهين طوال عمري.
اتسعت عين ظافر حين ذكرت اسم شاهين:
- تقصدين "شاهين" أكبر تجار الذهب هنا؟!
- نعم، يا إلهي أنت تعرفه، بالتأكيد سترشده عن مكاني.
نهضت بتول ودفعت "ظافر" بعيدًا عنها فسقط على الأرض ثم ركضتْ مبتعدة عنه فسقط منها الكيس الذي يحوي المال والحليّ.
التقطه ظافر بسرعة وفتحه فتوقفت بتول وهي تلهث من التوتر والتعب.
ابتسم ظافر ممسكًا بيده المال والذهب قائلًا بسخرية:
- الآن فهمتُ أيتها اللصة، سوف أسلمكِ للحاكم لتأخذي عقابك وأُعيد لشاهين ما سُرق منه.
سقطت الدموع على وجه بتول وتوسلت إليه:
- أرجوك لا تفعل، أنا لم أسرق أي شيء، لقد أعطتها لي السيدة سهر زوجته وهي من ساعدني على الفرار منه بعد ما قرر الزواج بي رغمًا عن إرادتي.
- هل حدث ذلك فعلًا؟!
- أقسم بالله هذا ما حدث.
- لا أصدق كلامك أيتها اللصة الجميلة فلتأتي معي.
- أنت لا تصدقني بعد أن أقسمت لك، حسنًا لتأخذ النقود والذهب ولتذهب بها إلى الجحيم.
- هاهاهاها أنا في الجحيم من الأساس.
تغيرت نظرات ظافر فجأة وأصبحت مرعبة وحادة بصورة ملفتة، رمى النقود والذهب من يده ثم أسرع تجاه بتول.
- تعالَي هنا يا لصة، لن تستطيعي الهروب في هذا المكان.
ركضت بتول وظل هو يركض خلفها ثم خارت قواها من العطش والجوع والخوف فتوقفت فجأة وهي تبكي، فـأمسك بها ظافر من الخلف وجذبها بشدة من يديها.
أنت تقرأ
رواية برهوت / للكاتبة سارة خميس
Terrorيجب أولًا أن تكون على يقينٍ أن هناك مخلوقات أخرى تشاركنا الحياة.. قد لا نراها.. قد تظهر للبعض أحيانًا.. قد تعيش في منازلَ وأماكنَ مهجورة.. أو أن يكون موطنها الأصلي في (الربـــــــــــع الخالـــــــــــــي) تلك الرواية تحوي بين صفحاتها أساطيرَ ومعلوم...