الجزء السادس عشر

21 4 0
                                    

بداية ونهاية
صُعق ظافر حين رأى وجه من فعل به ذلك وقال بكلماتٍ متقطعة فكادت أنفاسه تنقطع:
- أنتِ؟! لماذا يا بتول؟! تقتلين حبيبك من أجل هذا؟!
حملقت بتول بوجهه قائلة بحدة وخبث:
- نعم أقتلك يا ظافر.. ولم تكن يومًا ما حبيبي.. كل ذلك كان مجرد وجه آخر أرتديه، حتى أحصل على مبتغاي، وأصل إلى جدي الذي يسري دمه بعروقي، لقد تمنيت دومًا وجود أحدٍ من أهلي بجواري، كم كنت أحتاج إلى أي أحدٍ مني يضمني ويحتويني، أنت تعوّض يا ظافر بأي فارسٍ أو رجلٍ يأتي من بعدك، أما جدي فلا شيء يعوض غيابه وهو آخر ما تبقى لي.
ابتهج عبدول وشعر بسعادة غمرت كيانه.. فتح يديه عن آخرها ليضم بتول في صدره بشدة قائلًا بحبٍّ:
- وأخيرًا.. هناك من يحبني بصدق وأستطيع الوثوق به وأورثه كل علمي، بوركتِ يا صغيرتي وحفيدتي الجميلة.
طبع قبلة على رأسها وربت على كتفها ثم قال لها:
- هيا صغيرتي، ناوليني العزيف، اشتقت للمسه والنظر إليه.
تنهال دموع ظافر على وجنتيه بشدة غير مصدقٍ ما حدث له ونظر إلى بتول وهي تلقف العزيف من بين يده لتضعه بين يد الحظرد.
دخل كلٌّ من مكرب وسهر الحجرة.. صرخت سهر:
- ظــــــــــافر... لا تمُت أرجوك يا ظافر... لماذا يا عبدول؟ كان يريد رضاك وكان سيصبح مجرد خادمٍ أمينٍ لك... قتلتِه أيتها المخادعة وظن أنك حبيبته وتركني لأجلك.
- هاهاهاها.. أنا مخادعة؟! وأنتِ من تكونين يا حلوتي يا خائنة، لقد أحببتِ رجلًا وعشقتِه وأنتِ ملكٌ لرجلٍ آخر، أنسيتِه؟ (شاهين).. لماذا لا تندهشين من عدم ظهوره وحضوره لينقذني من بين أيديكم.
نظرت إليها سهر في ذهولٍ ثم قالت ودموعها تنهمر بقوة على وجهها:
- أتعلمين أين هو؟
ضحكت بتول بصوت عالٍ قائلة:
- هاهاهاها.... العجوز العاشق... أتعلمين.. جاء ليتتبعني بالفعل وينقذني ويحميني.. حين سقطت بالبئر وجدته أمامي قام بتقييد حركتي وأمرني بالقوة بالسير معه في ممرٍ ببئر برهوت.. وأراد الحصول عليّ هناك، دفعني على الأرض الصخرية في ركنٍ ما، متناسيا أنني حفيدة صاحب القوة العظمى عبدول، وعندما جثا بجسده عليّ، هاجمته الأفاعي والحشرات السامة دفعةً واحدةً وأخذت تلتهم لحمه وأمعاءه أمام عيني وكنت أتلذذ بالمشاهدة والشعور بالراحة حتى أصبح مجرد عظامٍ هشمتُها بقدمي الصغيرة تلك... تم الانتقام من قاتل أبي وأمي بشكلٍ يليق به وظهرتُ الآن لجدي حبيبي بشكل يليق بي.... (مكرب)... ماذا تنوي.. تُكمل معنا أم ماذا؟!
تلعثم مكرب وكان يرتجف بشدةٍ ثم قال:
- معكم سيدتي، بالطبع معكم إلى الأبد ومخلص لكم حتى آخر نفس.
ابتسمت بتول ثم اقتربت منه وطبعت قبلةً على خده قائلةً وهي تهمس بأذنه:
- لتذبحْها الآن وتقدم رأسها تحت قدمي كقربان... ومهر للزواج بي.
ثم ناولته الخنجر نفسه الذي طعنت به "ظافر" ليذبح سهر. ابتلع ريقه وتسارعت أنفاسه وسار تجاهها وهي تجلس باكية أمام ظافر.
ارتجفت سهر وقالت:
- مكرب، أنا أختك!... لا تسمع كلامها.. ستخدعك تلك الماكرة.. مكرب أنت الملك الشجاع آخر نسل (المكارب).. لن يكون هناك نسل لهم بعد موتنا.. أنت تحتاج إليّ.
ضحك مكرب وأمسك بشعرها بقوة قائلًا:
- وحديثك مع ظافر بالخارج.. كان عن ماذا؟! لقد كنت أسترق السمع خلف الباب وعلمت بخطتك للخلاص مني لتعيشي معه، أنتِ لا تستحقين حتى أن تدمع عيناي لأجلكِ، وسيظل نسل المكارب موجودًا وسيمتزج بنسل الحظرد، سأتزوج بتول وأنجب منها الكثير من الأطفال، وأطفالنا تنجب أحفادًا وسيظل اسمنا موجودًا على مر السنين، موتي يا سهر بجوار عشيقكِ.
ذبحها مكرب وفصل رأسها عن جسدها، ثم ألقى برأسها تحت قدم بتول فابتسمت له وقبلته مرة أخرى.
التقط عبدول أنفاسه وشعر بسعادة بالغة، فلقد تخلص للتو من كل من يهدد وجوده.. نظر إلى بتول بحبٍّ ثم قال:
- سعادتي كانت لتكتمل في وجود تيماء.
تبدلت ملامح بتول وحملقت في وجه جدها وصاحت:
- لا وجود لتيماء تلك يا جدي... تيماء ماتت منذ وقت ولادتها كما علم أبي بالضبط.. حملها بالفعل شاهين وتركها في الصحراء حتى يجدها أحد الجان ويقوم بتسليمها لعبدة الشيطان بكهف برهوت ولكن شاء القدر أن يمر على الفور بجانبها (ورل صحراء) ضخمٌ جائعٌ يلهث بحواف لسانه السامة ويلتهمها دون أن يترك أثرًا لها.. لتمضي أسطورة تيماء. ولتمضي أسطورة باهلة وكهنة الكهف الأبيض وسهر والفارس ظافر... ولتبدأ أسطورة بتول ابنة طاهر بن عبدول الحظرد... و... زوجها مكرب بن المكارب العظام...
ضحك عبدول:
- نعم يا عزيزتي.. معكِ حق.. لا أحتاج لتيماء ولا لأحد سواكِ.. هيا ألقوا بهؤلاء الجثامين إلى الخارج لتأكلهم الضباع والذئاب والنسور.. ودعوني أختلي بعزيزي العزيف قليلًا.
حمل مكرب وبتول جثة سهر أولًا وألقاها بالخارج بعيدًا عن الكهف..

رواية برهوت / للكاتبة سارة خميسحيث تعيش القصص. اكتشف الآن