الظــن
(والظن هو مظنة جانب الشر وتغليبه على جانب الخير، فسوء الظن هو عدم الثقة بمن هم أهل لها)
ظل ظافر يفكر بينه وبين نفسه:
"هل كل ما يحدث مجرد صدفة؟
هل من الممكن أن تكون بتول هي تلك الفتاة التي كنت أنوي البحث عنها وقتلها؟
ولكن كان وصفهم لي مختلفًا عنها قليلًا، فلم يذكروا أنها بكل هذا الجمال، أيضًا لم يذكروا أن لديها تلك الشامة على ذقنها!
لماذا وضعك القدر أمامي يا بتول؟!
لأقتلك سريعًا دون جهد؟
أم لتثيري شكوكي وتقلبي حياتي رأسًا على عقب؟
أم لأنكِ قدري؟!".أنهك التفكير "ظافر"، وبعد الكثير من الوقت أمر بتول بالتوقف ليأخذا قسطًا من الراحة قليلًا.
اقترب غروب الشمس، وجلست بتول على الرمال ممسكة ببطنها:
- يا ألله، أمعائي تكاد تعتصر من شدة الجوع، لديك أي طعام يا ظافر؟
- للأسف لا، وأوشك الماء أيضًا على الانتهاء.
- ماذا سنفعل وسيطول بنا السير هكذا، سنموت من الجوع والعطش قبل أن نصل.
- بتول، أنا منهك الآن دعينا نغفو ولو ساعة حتى أستطيع السير مرة أخرى.
- أتضور جوعًا يا ظافر وتحدثني عن النوم!
- ومن أين آتيكِ بالطعام يا عزيزتي، نامي قليلًا لتنسي جوعك.
وضع ظافر لفافته تحت رأسه وأغمض عينيه، في حين جلست بتول بجواره وهي تتمتم بكلمات من شدة غضبها وجوعها.حل الظلام بعد غروب الشمس وكان ظافر يغط في سباتٍ عميقٍ، راوده حلمٌ غريبٌ عن مجموعةٍ من الرجال يرتدون عباءاتٍ واسعةً سوداءَ تغطي رؤوسهم، يمسكون بفتاةٍ جميلةٍ تشبه بتول، وأحدهم يمسك بسكينٍ حادٍّ ولامعٍ وكأنه ينوي الخلاص منها، كانت الفتاة تصرخ مستنجدة به وحولهم ضباب كثيف يحجب الرؤية عنه نوعًا ما، لكن الغريب أن "ظافر" لم يتحرك من مكانه وكان يشاهد ما يفعله هؤلاء الرجال ليس إلا.
بعد قليلٍ من الوقت شعر ظافر بصوت أقدامٍ خفيف على الرمال، فتح عينيه ليستكشف من هو، دون أن يلفت النظر أنه قد استيقظ.
وجد بتول تقف أمامه تهرول هنا وهنا، تعجب ظافر مما تفعله ثم رآها فجأة تنقض على شيءٍ ما على الأرض، لقد أمسكتْ بحيوان زاحف من ذيله (وَرَل) وقامت بمصارعته وقتله بشيء ما في يدها.• (الوَرَلُ)
حيوان زاحف من ذوات الدم البارد يسمى الغيث ويشبه الضب ولكنه أشد خطورة منه، يبلغ طوله من متر إلى ثلاثة أمتار، من فصيلة السحالي، يتغذى على العديد من الحيوانات الصغيرة والثعابين والعقارب فلديه أنياب حادة، لسانه ملوث تلويثًا كليًّا بالبكتيريا الشديدة فعندما يقوم بعض فريسته تنتقل هذه البكتيريا إلى الجروح وتؤدي إلى التهاب شديد فتموت الفريسة مهما كان حجمها وقوتها.
لم يتحرك ظافر من مكانه ليرى ماذا ستفعل بعدها، وتعجب من قوتها التي جعلتها تنقض على (الوَرَلُ).
قامت بسلخه وتقطيع شرائح من اللحم منه ومضغه بسرعة من شدة الجوع.
شعر ظافر بالاشمئزاز وباتت الحقيقة تظهر أمامه
(إنها هي)
وقف ظافر وأخرج من لفافته زجاجةً صغيرةً بها سائل ما، ثم فتح الزجاجة ورشها فجأةً على وجه بتول وباغتها بضربةٍ قويةٍ على رأسها.
- ماذا فعلت يا ظافر؟
ثم غابت بتول عن الوعي تمامًا.
أخرج ظافر من اللفافة التي يحملها كتابًا صغيرًا قديمًا، أوراقه صفراء، وكان ممزقًا إلى حدٍّ ما، ثم أخرج زجاجة أخرى بها سائل لونه أحمر غريب الشكل وكان به فقاقيع وكأنه يغلي داخل الزجاجة.
فتح ظافر الكتاب وقبل أن يبدأ القراءة نظر إلى بتول وهي ملقاة على الأرض أمامه قائلا: "سامحيني يا بتول، فما أتيتُ إلى هنا إلا لأبحث عنكِ وأقتلكِ حسب مهمتي التي أقسمت على تنفيذها وذلك لمصلحة البشرية كلها، مظهرك لا يوحي بأي شيء قيل عنكِ، جمالك هادئ وخفيفة وتلقائية كالملائكة، ولكن يستطيع الشيطان ارتداء عدة أقنعة حتى تحين لحظة هجومه، سامحيني فما عليّ سوى قراءة الطلاسم الآن وسكب هذا السائل على جسدك الجميل لتختفي إلى الأبد، ساعدني يا ألله..... بسم الله........".
وفجأة وعلى ضوء القمر يظهر ظل كيان ما يأتي من خلف ظافر، كان يبدو ضخمًا، فانتبه ظافر لذلك الظل ونظر خلفه برعبٍ، ولكن لم يجد أحدًا.
ظن أنه يتخيل هذا، فأغمض عينيه مرة أخرى وبدأ في قراءة الطلاسم، هبت ريح باردة فجأة، ولكن "ظافر" لم يتوقف وكأنه يعلم أن هذا شيء طبيعي سيحدث عند تلاوة تلك الكلمات، وبعد أن انتهى فتح عينيه حتى يسكب السائل على جسد بتول، ثم صرخ:
- أين أنتِ؟!
كيف اختفيتِ فجأة؟!
بتوووووول.......
هرول ظافر هنا وهناك باحثًا عنها على ضوء القمر والمصباح الذي يحمله بيده لكن دون جدوى وكأن الأرض ابتلعتها.
ظن ظافر أنها هربت منه بفعل سحرها وجلس يبكي فلا يدري ماذا يفعل بعد أن رحلت من بين يديه وماذا سيقول لأتباعه حين يعود.
*****
أنت تقرأ
رواية برهوت / للكاتبة سارة خميس
Horreurيجب أولًا أن تكون على يقينٍ أن هناك مخلوقات أخرى تشاركنا الحياة.. قد لا نراها.. قد تظهر للبعض أحيانًا.. قد تعيش في منازلَ وأماكنَ مهجورة.. أو أن يكون موطنها الأصلي في (الربـــــــــــع الخالـــــــــــــي) تلك الرواية تحوي بين صفحاتها أساطيرَ ومعلوم...