الجزء السابع

36 4 0
                                    

مخطوط الشياطين
صرخت سهر بصوتٍ عالٍ:
- أيها الحرااااس، اجمعوا أمامي.
جاء إليها في الحال جميع الحراس وبينهم ظافر ينتظر أوامر سيدته سهر.
- لقد تأخر شاهين في العودة وأخشى أن يكون وقع في شركٍ ما أو أُصابه مكروه، انتشروا جميعًا وابحثوا عنه ولا تأتوني إلا به.
هرول جميع الحرس للخروج من القصر فصاحت مرة أخرى:
- إلا أنت يا ظافر.... أقصد أريدك لأداء مهامٍ أخرى.
عاد ظافر وانتظر حتى رحل جميع الحرس، ثم نظر إليها وقال بهدوء: تُرى ماذا تريد الجميلة من فارسها ظافر؟
- هاهاهاها أيها المتحذلق، فقط لا أريدك أن تبتعد عن ناظري لوهلة، ولأكون معك على راحتي بعيدًا عن الجميع.
- فهمت يا سهر العيون، ولكن بدا عليكِ القلق على شاهين وذلك يجعلني في موضع حيرة ودهشة من أمرك، هل تحبينه وتودين الاطمئنان عليه بالفعل، أم هو مجرد افتعال أمام الحراس؟!
- هناك أشياء كثيرة بيننا علينا تسويتها قبل أن يرحل عن الدنيا، دعك من هذا الآن واقترب مني فنحن الآن وحدنا في هذا القصر الكبير.
ارتبك ظافر وابتعد عنها قليلًا قائلًا:
- نحن ما زلنا في وضح النهار، وكنت أنوي زيارة صديق لي اليوم فقد وعدته، إنه قريب من هنا سأذهب إليه الآن وأعود لأجلك وسأكون بين يديك للسهر يا سهر عيني.
ضحكت سهر بدلال بصوت عالٍ قائلة:
- وأنا في انتظارك يا فارس أحلامي، وإياك أن تتأخر حتى لا أقلق وأجلس وحيدة كل هذا الوقت.

خرج ظافر من باب القصر وهو يلتقط أنفاسه ويتأفف ثم امتطى حصانه وركض مسرعًا إلى طرف الصحراء، بعد عدة ساعات وصل إلى الكهف الأبيض ثم دخل مسرعًا لكبير الكهنة.
- سيدي تلك المرأة سهر تريد أن توقعني في شرك الرذيلة ولا أدري ماذا أفعل والأيام تمر دون جدوى، أرى أنني عليّ البحث عن بتول في مكانٍ آخر فلن أصل في هذا القصر لأي شيء.
نظر إليه الكاهن بغضبٍ وقال بحدة:
- هل أمرتك بالذهاب لمكانٍ آخر؟!
- لا... ولكن سيدي.......
- أنت تضيع الوقت الآن بحضورك إلى هنا.. ظننت أن هناك أمرًا مهمًّا تود إخباري به ولم تقوَ على الانتظار.
- سيدي لقد تذكرت.. هناك أمر مهم أود أخبارك به..
- تحدث يا ظافر... ماذا حدث؟
- سهر زوجة شاهين..
- حسنا... أكمل... وبعد.....
- سهر هي أخت مكرب آخر نسل المكارب وهذا ما زاد حيرتي وزاد الأمور تعقيدًا، هناك نقطة ضائعة لا أفهمها ولا أدري كيفية الوصول إليها.
ابتهج وجه الكاهن بسطام قائلًا:
- تذكرت الآن فقط؟ كان عليك إخباري من أول وهلة رأيتني بها، أتظن أن هذا الخبر يستحق قدومك إلى هنا ويغفر لك هذا التصرف؟ أنا أعلم منذ البداية من هي سهر.
- تعلم!! وما أهميته إذًا؟! لمَ لمْ تخبرني من قبل وتكلفني مشقة الحضور إلى هنا؟
- اصمت الآن وعليك أن تفعل ما سأقوله فأنصت جيدًا ولا تناقشني....

عاد ظافر ليلًا إلى القصر وزحف بهدوء لعل سهر تكون نائمة ويستطيع الإفلات منها ومن نواياها البغيضة، لم يكن هناك أي صوت بالقصر وأضواء الشموع تكاد تكون قليلة وخافتة.
أخذ ظافر يبحث بهدوء في كل جزء بالقصر عن أي شيء قد يرشده إلى أي معلومة تخص مكرب أو سهر أو بتول كما أمره الكاهن...
وبعد ساعة من البحث في عدة غرف لم يعثر على أي شيء ولم يبقَ سوى غرفة شاهين التي تنام بها سهر ومكان آخر في بدروم القصر... ليس أمامه الآن سوى الدخول خلسة وبخفة إلى غرفة سهر ويفتشها دون أن تشعر.
صعد ظافر إلى الطابق الثاني بهدوء ممسكًا بيده شمعة كبيرة ثم فتح باب غرفة سهر والذي أحدث صريرًا خفيفًا، فزع منه وكان يخشى أن تكون سهر سمعته، صمت قليلًا ليشعر بأي حركة ولكن كان الهدوء هو سيد الموقف.
دخل ظافر إلى الغرفة ولكنه فوجئ بعدم وجود سهر على فراشها، ارتبك بشدة، فأين ذهبت تلك الشريرة، أم تحضّر فخًّا له وعرفت حقيقته.
حدث نفسه قائلا: "من الواضح أن المجازفة هي سيد الموقف هنا لأبحث بالغرفة ويحدث ما يحدث بعدها".
أخذ يبحث في كل مكانٍ فلم يجد سوى المال والذهب وبعض الأوراق القديمة، كان من ضمنها أوراق خاصة بوالد بتول -طاهر-، لم يكن لديه الوقت ليقرأها فوضعها مسرعًا داخل عباءته وخرج من غرفة سهر مسرعًا ثم أغلقها.
هبط للطابق السفلي باحثًا عن سهر، ولكن لا يسمع أي صوت ولا يرى أحدًا.. ثم توجه إلى بدروم القصر ووجد بعض المشاعل متقدة على جانبي الدرج الضيق، نزل إلى أسفل وكان الدرج طويلًا ومستديرًا وكأنه قبو تحت الأرض.
وعندما اقترب من نهايته سمع همسًا وتمتمة غريبة.
- جئت لك اليوم طائعة وأرجو رضاك يا مولاي، مالكي وسيدي (بعــلـــــزبـــول).
تجمد ظافر في مكانه على باب الغرفة أسفل القبو عندما رأى سهر تقف أمام تمثال، رأسه على هيئة ماعز وجسده جسد إنسان ضخم أسود ويوجد أسفله الكثير من الدماء وكأنها دماء قرابين قدمت له.
كانت تردد كلمات الولاء والطاعة لهذا التمثال، وتأكد ظافر أن سهر لا تعبد إلا الشيطان، ولكن تفعل تلك الطقوس في الخفاء، فالجميع يعلم أنها وزوجها شاهين مسلمان يعبدان الله وحده لا شريك له.
بعد لحظات كان ظافر يفكر فيما يفعل الآن، وهل يدخل عليها الغرفة أم يهرب بالأوراق التي وجدها في غرفة شاهين ولم يعد مندهشًا مما يراه فبالطبع أخت (مكرب) من البديهي أن تكون من عبدة الشيطان.
أنهت سهر صلاتها ثم التفتت إلى الوراء حينما شعرت بأنفاس قريبة منها، ثم بدا عليها الغضب وصرخت:
- ظافر؟! منذ متى وأنت هنا؟! لمَ تتسلل هكذا دون أن أشعر بك؟ ولماذا نزلت إلى القبو؟ فالجميع يعلم أن النزول إليه محظور... انطق.. لمَ كل هذا؟!

رواية برهوت / للكاتبة سارة خميسحيث تعيش القصص. اكتشف الآن