الفصل الثامن
صوت الدوي كان مفزعا و مخيفا بالنسبة لها... فاختارت أن تهرب مما يفزعها بإغماض عينيها...صوت أمره لها بأن تبتعد عن باب الصيدلية كان مسموعا... كما سمعت صوت احتدام الرجال بالخارج... جمل متفرقة وصلتها فلم تتبين معنى معظمها... فقط جملتان دفعتا الراحة في قلبها...
(لقد تهشم زجاج الصيدلية و الدكتورة بالداخل!!)
(كرم بالداخل لا تقلق عليها فقط دعنا نغلق الباب الحديدي زيادة اطمئنان)
كلمات أيوب مع أنور جعلته يطمئن على تركها بمفردها هنا... إذا اشتد الصراع بالخارج و تكالب عليهم هؤلاء الغرباء ستكون هي في مأمن على الأقل... حانت منه نظرة لها عند صدره تتقبض فوق قميصه بقوة مغمضة العينين... اشاح ببصره بعيدا و قد طغى غموض عينيه بقوة... صمت للحظات قبل أن يقول بخشونة غير مقصودة...
(لقد أغلق الرجال باب الصيدلية الحديدي...)
رغم أن هذا ما سمعته من الرجال بالخارج لكنها ظلت على وضعها المنزوي قربه حتى تكلم هو... فتحت عينيها فجأة لتفك تشابك اصابعها بسرعة وتتراجع للخلف ملتزمة الصمت... قلبها مضطرب بخوف مما يحدث من مشاجرة لذا خطواتها كلها بدت لها خرقاء أمامه...عقدت حاجبيها و عقلها يزجرها على تعلقها بقميصه هكذا كالمساكين... حركته جوارها جعلتها تتأهب بقلق... وضع كفه فوق الباب الداخلي للصيدلية يهم بالخروج لكنها اوقفته حينما هرعت للباب تهتف باستنكار...
(الى اين؟!)
رمقها بطرف عينه يقول بصوت منهك...
(للخارج... و لا تخافي لن نسمح بأن يدخل الى هنا أحد)
تمردت ملامحها فزاد الليل في عينيها سوادا و هي تقول...
(لست خائفة...)
شبح بسمة ساخرة متهكمة ارتسمت على زاوية فمه لكنها لم تنتبه لها...اومأ برأسه يهمس بينما يمد ذراعه عابرا إياها للباب...
(جيد...)
و قبل أن تلمس أصابعه الباب تمسكت هي بذراعه تقول بحدة آمرة...
(أخبرتك لا خروج من هنا قبل أن أرى جرحك...)
رست عيناه فوق كفها المتمسك بذراعه لثوان قبل أن يسحبه منها تدريجيا...ابتعدت هي بحرج من فعلته و كأنها تتمسك به لجماله في عينيها... لولا مهنتها التي تحتم عليها مساعدة جريح مثله لتركته ينزف حتى الموت... رفعت رأسها بإباء تؤشر على الكرسي الخشبي خلفه قائلة...
(أجلس حتى اجلب المطهر و القطن...)
و قبل أن يلفظ حرفا واحدا تحركت للداخل تجلب ما ذكرته... اقترب من الزجاج المتهشم يراقب الاجواء بالخارج... لا يزال رجاله ينهالون على الغرباء ضربا بقسوة و شراسة... هل يبقى هنا يطبب جرحه و هم بالخارج يتناحرون؟!... لا ليس هو من يترك رجاله وسط النيران و يهرب... اتجه مسرعا ناحية الباب لكن صوتها من خلفه اوقفه حينما شعر بها تركض نحوه... التفت لها فوجدها تحمل كيس قطن و زجاجة مطهر و العديد غيرهما و كأنها ستجري له عملية جراحية...
(ما دام رأيت جرحك فلا مهرب مني اليوم ... هيا أجلس)
زفر بقلة حيلة ليجلس فوق الكرسي و عيناه متعلقتان برجاله خارجا...اغمض عينيه فجأة مصدرا صوت تأوه خافت حينما لسعه المطهر الذي لا يعرف متى وصلت له به... رفع عينيه لها بحدة حينما شعر بها تضغط بقوة فوق جرحه... فثبتت عيناه على وجهها المنهمك فيما تفعله... تركز بكل طاقتها في جرحه البسيط...تعقد حاجبيها الاسودين بعملية... و تزم شفتيها بين الفينة و الأخرى... في كل مرة من مراته المعدودة التي يلمح فيها وجهها عن قرب يكتشف شيئا جديدا... كهذه الشامة الصغيرة فوق خدها الأيسر... تذكره بشامتها الكبيرة فوق عنقها يوم التقتها عيناه في الأزقة الخلفية... أجفل عند خاطره الأخير ليسرع بإشاحة عينه بعيدا عنها يغض بصره مستغفرا...تركها تعقم جرحه كما يحلو لها و تربطه بضمادة ليس لها أهمية حتى توقفت اصابعها فوق جبهته تبحث حولها بنزق... غصبا بحثت عينه معها عما يجهل هويته حتى سمعها تأمره بحزم...
(ضع يدك فوق الضمادة حتى اجلب اللاصق الطبي من الداخل)
يبدو هذه عادتها حينما تأمر الغير...تنظر مباشرةً في عينيه متناسية هويته... "ست الدكتورة" عندها الكل سيان و هي تتحدث... فلقد منحته نظرة طويلة من ليليها الكحيل في مقلتيها الواسعتين... نظرة جعلت حدقتاه تتسعا لتشملا هذا الفضاء الواسع بنجومه المتلألئة... توترت نظرته بعدما القت أمرها و فرت من امامه مسرعة تجلب ما ينقصها... سحب نفسا كبيرا و زفره ببطء شديد... عيناه هربتا للزجاج المتهشم ليشرد به بعض الوقت... ثم انفرجت شفتاه بهمس رخيم... مخارج حروفه خرجت صحيحة شديدة الدقة
أنت تقرأ
لقياك لي المأوى(مكتملة)
Romanceرواية للمتألقة آية أحمد حقوق الملكية محفوظة للمبدعة آية أحمد لُقياك ليّ المأوى خليط من حكايات يعزف لحنها بحر الحياة...بين أمواج متلاطمة تارة و ناعمة تارة أخرى نعيش... و على شاطئ رماله ذهبية تعكس رونق الشمس يحاوطنا الدفء و يتسلل لشرايين الروح قبل الج...