الفصل الثامن و العشرون ج1
حالة من الصدمة أخرستها و جعلتها كتمثال منحوت بعينين جاحظتين ترمق بهما من يتواجد معها في هذه الغرفة التي لا تذكر كيف وصلتها...أصوات تتراشق و تتطاير فوق رأسها فالجميع يتحدث بلا استثناء... لكنها مستثناه من رفاهية الحديث... في الواقع هي لا تملك القدرة على الحديث!...ابتلعت ريقها بصعوبة و قد اهلكتها وقفتها و ألم بطنها يشتد كلما طالت...ماذا حدث معها بحق الله؟!
(انها خيانة يا حضرة الضابط و نحن شاهدتان عليها ألا يكفي هذا لترميها في السجن؟!)
لبنى في جلستها العصبية أمام مكتب الضابط تحاول جاهدة ألا تمنح فلك فرصة واحدة في قول شيء... بينما ميرنا الجالسة قبالتها تناظرها بنظرات ساهمة متوترة...رمق الضابط فلك في وقفتها البالية جوار هذا الرجل الذي القوا القبض عليه معها بتفحص... الرجل وحده يكفي لأن تُثبت التهمة و لكن هي لا تبدو ابدا كمجرمة ترتكب جرما كهذا...حسنا فليهدأ و يُخرس هذه المرأة المزعجة ليستمع الى اقوال... المتهمين!
(سيدة لبنى اصمتي قليلا و دعينا نرى عملنا فنحن لا نحتاج توجيهاتك بالمرة...)
لم يهتم الضابط بنظرات لبنى الناقمة فعاد ليولي تركيزه كله للماثلين أمامه فيسألهما بحزم شديد...
(ما هي أقوالكما في التهمة الموجهة اليكما؟!...)
الصمت الذي حل ضيفا في غرفة مكتبه لا يطيقه لذا احتد صوته و زادت خشونته ليأمرهما بقسوة...
(لا أحب هذا الصمت فلتتكلما و تقولا كل شيء... انتما متهمان بقضية زنا و هنا شاهدتين وجدتاكما في غرفة نوم زوج المتهمة!... أم نعتبر صمتكما اعترافا بالتهمة؟)
تساقطت دموع فلك بعدما منحها الصمت حولها القدرة على الانصات فجلدتها كلمات هذا الضابط... نظرت له بتيهٍ واضح لتهمس بصوت مبحوح غير مدرك ما تهمتها حقا..
(أي تهمة؟!!!... أنا مظلومة... لماذا أنا هنا؟!)
كادت لبنى تتكلم فأشار لها الضابط بحزم ألا تفعل ليعود ينظر لفلك متسائلا بصبر...
(فلتخبرينا أقوالك في محضر رسمي لنعرف إن حقا كنتِ مظلومة)
تكورت يداها على بطنها و تجعد ما بين حاجبيها بألم قبل ان تحكي ببقايا صوت تهالك...
(كنت في غرفتي و فجأة دخل علي هذا الرجل و تهجم علي... حاولت أن أهرب منه لكنه منعني فصرخت انادي على أمي و الخادمة لكن لم يظهر أحد... و حينما تمكنت من الإفلات منه ضربته فوق رأسه فسقط أرضا و بعدها... دلفت ميرنا و حماتها و رأتاه مرمي ارضا برأس ينزف!)
ضيق الضابط عينيه ليسألها...
(و كيف دخل رجل غريب الى بيتك بل لغرفتك دون علم مَنْ بالبيت؟!...و أين اختفت والدتك في هذا الوقت تحديدا لأننا وجدنا الخادمة و هي بالخارج كشاهدة)
هزت فلك رأسها ببكاء تهمس...
(لا أعرف...)
تطلع اليها الضابط قليلا حتى صدر صوت المتهم جوارها...
(ما تفعلينه لن يفيد و قد القوا القبض علينا)
اتسعت عينا فلك بجزع و هي تناظره بأنفاس تتسارع...ماذا يقول هذا الرجل؟... صوت الضابط المتسائل قذف في قلبها الرعب أكثر
(و ماذا تفعل هي؟.. يبدو أنك أكثر تعقلا و ستعترف)
ضغط الرجل على جرح رأسه بهذا القطن الذي منحوه له قبل الدخول الى هنا ليقول بندم زائف..
(الشيطان أغوانا يا حضرة الضابط لكن صدقني هي من طلبت مني القدوم الى بيتها لأن زوجها مسافر أنا كنت مكتفي برسائلنا الهاتفية)
صرخت فيه فلك بذهول مشتت...
(ما الذي تقوله أنت؟!!!... أنا لا اعرفك و لم أرك يوما!)
وزع الضابط نظراته بينهما بتدقيق بينما لبنى تربط على ابتسامتها بصعوبة و ميرنا داخلها يعاني كلما سمعت صراخ فلك... تنهد الضابط ببطء قبل أن يسأله بتمعن...
(و إن كانت تعرفك و تراسلك كما تدعي لماذا ضربتك على رأسك؟)
تأوه الرجل بحسرة ليجيب...
(هذا لأنني غشيم و قد ظننت انها ستفي بوعدها لي)
اقترب الضابط من مكتبه يتساءل بترقب...
(أي وعد؟)
نظر له الرجل مليا ليقول بعدها باستسلام...
(لن يفيد الكذب الآن... اسمع يا حضرة الضابط لقد تعرفت على هذه المرأة قبل شهر تقريبا او أقل لا اعرف لست جيدا في الحساب...ارسلت لي رسالة تخبرني انها تعاني من الملل و زوجها رجل عجوز لا يتماشى مع شبابها فلم استطع الرفض فأي مجنون يرفض امرأة عرضت نفسها عليه؟!...)
بصبر شديد حثه الضابط...
(ها أكمل...)
هز الرجل رأسه بتفهم يقول...
(بدأ الأمر بالمراسلة العادية ثم تطور برغبة منها هي حينما طلبت أحم أن نتحدث في أمور.... أنت سيد العارفين يا باشا)
هز الضابط رأسه بتفهم و بملامح جامدة نظر الى فلك التي تقاطع الرجل بصراخها المصعوق و هي تردف
(كذب... ما يقوله كذب!)
فأوقفها بأمر قاسٍ حازم ليعود مجيبة سؤال الضابط
(أنا هيام أم فلك... لقد هاتفوني يخبروني ان ابنتي هنا... لماذا هي هنا و ماذا حدث معها لتصبح بهذا الشكل المريع؟!!)
اشار الضابط لمساعده بأن يخرج و يغلق الباب فيقول بعدها لهيام...
(ابنتك هنا لأنها متهمة بالزنا و يوجد شهود و دلائل على هذا)
ذهول هيام كان واضحا في شهقة غير مصدقة و عينين متسعتين... تماسكت بكل قوتها لتتوجه الى ابنتها تناظرها بجزع ثم تقف أمامها و تواجههم جميعا حينما اردفت بثقة لا تقبل الشك...
(هذا كله كذب... ابنتي يستحيل ان تفعل هذا و كيف ستفعله و نحن معها في نفس البيت؟!...)
طالت نظرة الضابط لهيام قبل ان يسألها...
(لكنك لم تكوني في البيت حينما وصلنا...أين كنتِ؟)
يقين يجتاح هيام بأن ما يحدث لابنتها هو من صنع يد هذه المرأة الحقيرة التي تناظرها بخبث حية ماكرة... ضيقت عينيها بتركيز و كأن هناك من يهمس في أذنها بأن ما حدث لها و قصة حريق الشقة يرتبط بابنتها...
(لقد جاءني اتصال يخبرني ان شقتي في الحي احترقت فلم أفكر مرتين قبل ان أركض لأرى ما حدث... و حينما وصلت للحي لم أجد بها خدشا واحدا حتى)
لاح الاهتمام على محيا الضابط فسألها...
(من هاتفك هل تعرفينه؟!)
الهاتف الذي بقي في كفها فتحته فورا و هي تقترب من الضابط بينما تجيب...
(ولد من الحي اسمه هاني اتصل بي من رقم غير مسجل عندي يبلغني بما اخبرتك به للتو... و حينما سألت عنه أهل الحي قالوا انه كان يقف مع رجل غريب و خرجا معا من الحي و لم يعد...لا أحد من سكان الحي يعرف رقم هاتفي لأنني حصلت عليه بعدما تركت الحي و لم أزره سوى اليوم فقط)
وضع الضابط هاتف هيام ليجاور هاتف الرجل على مكتبه فيطول صمته المفكر قبل ان يقول...
(ما تريدين توضيحه هو انه ربما اجبرك احدهم للخروج من البيت حتى تبقى ابنتك بمفردها...)
هزت هيام رأسها بموافقة و قلبها ينبض ترقبا حتى قال الضابط ما افزعها...
(ربما من فعل هذا هي ابنتك كي تسهل لقاءها مع هذا الرجل)
بهتت ملامح هيام بقوة لتهمهم...
(ماذا تقول؟!!)
ربت الضابط بأصابعه على سطح المكتب ثم قال...
(هناك دلائل ملموسة و شهود لا يمكننا غض الطرف عنهم...الرسائل المرسلة من هاتفها وحدها تثبت التهمة عليها و الأكثر من هذا أنه تم القبض عليها متلبسة في غرفة زوجها عازمة النية على خيانته)
تنفست هيام بسرعة مهولة و عقلها حقا لا يستوعب ما يقال و لكنه التقط كلمة هاتف فعادت تدافع عن ابنتها الباكية بتوجع خلفها...
(كيف سترسل ابنتي رسائل و هاتفها تدمر؟!!!... إن كنت لا تصدقني اسأل وردة هي من وجدته بنفسها)
ان تنطق الأم بنفس ما نطقته الابنة يعزز من حدسه كثيرا لكن لا عليه أن ينخدع بوجه بريء و دموع قد توازي دموع التماسيح... الدليل بيّن و هذا كل ما يحتاجه لذا قال
(الخادمة تنكر كل هذا)
(ماذا؟!!!!!)
صوت هيام المصعوق كان يوازي نظرة مخيفة رمقت بها وردة ثم تزايد غضبها مما قد فهمه عقلها و بأي مكيدة وقعت فلك لتصرخ بقوة..
(يا ناكرة الجميل!!... تشهدين بالباطل على ابنتي التي احسنت معاملتك.. هل هذا جزاء عطفها عليك... و الله لأجعلنّك تندمين على افتراءك هذا)
اخترقت هيام الجميع لتتمسك بشعر وردة تجرجرها منه و هي تصرخ بها بينما وقف الضابط يصرخ فيهم جميعا بحدة و يأمر مساعديه أن يفكوا التشابك الذي يحصل... و بمعاناة تمكنوا من اخراج وردة من تحت قبضة هيام التي نالها تهديد صريح من الضابط...
(هل فقدتِ عقلك لتفعلي هذا في مكتبي و امامي؟!...يمكنني ان القيك في الحبس الآن جراء فعلتك هذه)
اقتربت ميرنا من حماتها تتهرب من نظرات هيام المتوعدة...تحدثت لبنى بتعجب
(لا أعرف ماذا تنتظر يا حضرة الضابط نحن و شهدنا خيانتها و أنت رأيت بعينك الرسائل فلتضعها في السجن و تخلصنا من واحدة مثلها لوثت سمعتنا)
(أنتِ لن تعرفيني شغلي)
صوت الضابط المحذر جعل لبنى تصمت مبتلعة كل شيء فقط لتذهب فلك الى ما وراء الشمس و تتخلص منها...بينما تهذي هيام بجزع
(ابنتي بريئة يا حضرة الضابط... هم اتفقوا عليها لأنها تزوجت طارق طلال دون رغبتهم... يريدون ان يتخلصوا منها بعدما حملت خوفا من ان ترث معهم... ارجوك صدقني ابنتي ليست كما يفترون عليها)
بحزم قاطع تكلم الضابط...
(المتهم بريء حتى تثبت ادانته و ابنتك مدانة بالدليل...و الآن سيتم حبسها حتى يعود زوجها من سفره لنرى إن كان سيقاضيها أو يسامحها)
ابتسمت لبنى بصورة واضحة فقالت...
(السيد طارق بالتأكيد سيجعلها تدفع ثمن فعلتها في حقه... من يدري ربما هذا الطفل ليس ابنه ايضا)
نادى الضابط على مساعده فدلف الأخير ليأمره الضابط...
(خذ المتهمين و ادخلهم الحبس...)
صوت بكاء فلك كان عاليا فلا تصدق بأن مصيرها سيكون مجرد سجينة بتهمة خيانة... خرج الجميع من المكتب بعدما سحبت لبنى ميرنا المتأثرة و وردة النادمة... تمسك المساعد بذراع فلك يجرها أمامه فتتوجع بصوت مسموع جعل هيام تتشبث بها طالبة الرحمة... خرج المتهم بصحبة العسكري و قبل ان تخرج فلك تكلم الضابط...
(اتركها هنا...)
نظرت له فلك ببكاء كما نظرت هيام بأمل فتكلم هو بضمير انساني...
(ستبقى هنا في مكتبي حالتها لا تسمح لها بأن تدخل الحبس)
اقتربت منه هيام بعينين دامعتين تقول...
(ابنتي مظلومة اقسم لك... انها مكيدة مدبرة لها منهم و لا اعرف لماذا افترت عليها الخادمة)
ناظرها الضابط بتضامن فلا يدخل عقله اعتراف هذا الرجل بهذه السهولة ليقول...
(لن نستطيع فعل أي شيء دون دليل و للأسف هم معهم الدليل... فلننتظر الغد ربما عفى عنها زوجها)
ضيقت هيام عينيها بتعب لتهمس..
(يعفو عنها من تهمة هي بريئة منها؟!... ربما تمكنوا من اللعب في عقله ماذا سيكون مصير ابنتي؟!)
عادت عينا الضابط للنظر الى فلك المرهقة فيقول...
(لو رفض مسامحتها سيتم حبسها لمدة سنتين)
شهقت هيام برعب بينما فلك نكست رأسها تناظر ابنها المتألم داخلها... هل ستحمله عارا ليس ذنبها او ذنبه؟!...
أنت تقرأ
لقياك لي المأوى(مكتملة)
Romanceرواية للمتألقة آية أحمد حقوق الملكية محفوظة للمبدعة آية أحمد لُقياك ليّ المأوى خليط من حكايات يعزف لحنها بحر الحياة...بين أمواج متلاطمة تارة و ناعمة تارة أخرى نعيش... و على شاطئ رماله ذهبية تعكس رونق الشمس يحاوطنا الدفء و يتسلل لشرايين الروح قبل الج...