الفصل الثامن عشر
انزلقت الأساور بطول ذراعها حتى استقرت عند رسغها بعدما توقف كفها بعد وضع فنجان القهوة فوق الطاولة الصغيرة...تركت الفنجان لترتفع عيناها المتسعتان الى زوجها تهمس بصوت غير مصدق...
(ماذا تقول يا سليمان؟!)
انزل سليمان فنجان قهوته من فوق فمه يضعه في الطبق الصغير بين كفيه ليقول بهدوء رغم تعجبه هو ايضا...
(هذا ما حدث يا صفية جاءني يخبرني عن نيته في الزواج من الدكتورة ابنة الاستاذ ثروت)
ضيقت عينيها تسأله برغبة التأكد مما تسمع..
(هل اخبرك انه متيقن من قبول البنت له؟!)
وضع سليمان الفنجان فوق الطاولة ليجاور فنجان زوجته ثم اعتدل في جلسته يناظرها قبل ان يقول..
(نعم يا صفية أكد لي قبولها و كما بدا لي ابنكِ يريدها بشدة)
رفرف قلبها حبا لصغيرها فالتمعت عيناها تسأله بصوت حنون...
(هل صارحك بحبه لها؟!)
تنهد سليمان لترتسم بسمة صغيرة فوق ثغره ابهجت قلب زوجته فهمس بهدوء رزين...
(نبرة صوته و لمعة عينيه و هو يخبرني بنيته في الزواج منها حتى وقفته حينها امامي كل شيء أكد لي ان الدكتورة نالت قلب ولدكِ...لولا هدوءه و سكينته المعتادة كنا عرفنا منذ زمن ان كرم شغفه حبها)
اتسعت بسمتها فرحا بابنها فقالت بحنو...
(حبيبي دوما يجيد اخفاء مشاعره)
رفع سليمان عينيه لها يقول بدهشة مصطنعة...
(أراكِ سعيدة!!)
تحركت يداها لتستريحا فوق فخذيها تقول بصدق سعيد...
(و لمَ لا أكون و أنا أعرف ان ولدي الغالي يريد الزواج من فتاة احبها)
غامت عيناها بحنين و حب لتقترب بجذعها من زوجها تقول...
(تعرف يا سليمان منذ ليلة مساعدتها له قد راودتني أمنية لكنها على مدار سنوات كانت تصعب كثيرا حتى ظننت انها لن تتحقق)
تنهدت بصوت هامس لتكمل...
(صعبت حينما كبر الأولاد و زادت المسافات بينهما لتأخذ كل منهم في طريق)
سؤاله كان مباشرا يدل على معرفته الجيدة بخبايا نفسها...
(أردتِها له؟)
تعلقت نظراتها في عينيه لتقول بصوت أمومي حنون...
(تمنتها نفسي له من تلك الليلة...لكن البنت كبرت لتسلك طريق العلم و تنجح فيه حتى وصلت لأن تكون دكتورة...وقتها فقط لملمت أمنيتي اخبأها خلف باب الحقيقة "ابني ليس في مجال رؤيتها")
اعتمل صدر سليمان نفس القلق المتوجس ليهمهم...
(و هذا ما لا يدخل عقلي!)
رغم مصداقية حديثه إلا أن طابع الأم بداخلها ثار لأجل ابنه فهتفت باستهجان...
(و لمَ؟!... ابني تتمناه ألف بنت)
يحب بها حبها لهم و اندفاعها للحفاظ عليهم و على سيرهم...فلتت منه تنهيدة يقول بتؤدة
(الفتاة دكتورة يا صفية!)
شمخت برأسها تقول باعتزاز حقيقي...
(و ابني رجل بخلق حسن و تربية أصيلة لديه عمله الذي يكد و يتعب به)
رمقها نظرة صغيرة بنصف عين جعلتها تنزوي قليلا لكنها تشبثت برأيها تكمل...
(اعرف ان التعليم يضيف للرجل قيمة كبيرة لكنه ليس السبب الأوحد ليجعل الرجل رجلا...فهناك الكثير من اصحاب الشهادات لا يمتلكون اخلاق و لا سمعة حسنة... كرم شاب رُبيَ على محاسن الاخلاق يعرف ربه و يخافه و يتقي الله في كل شيء بالله عليك أين تجد شاب مثل ابني!)
ضحك بخفوت فخور بزوجته و تربيتها التي اخرجت رجالا و نساء يُضرب بهم المثل...امتدت ذراعه يحاوط كتفها و يقربها منه مهمهما...
(يا ابنة العم كم احب رؤيتكِ و انتِ ثائرة تدافعين عنا حتى الرمق الأخير)
استراحت رأسها فوق صدره ببسمة حلوة تهمس بصدق...
(ابنائي يا حاج انا اعلم الناس بهم هم نبتة صالحة رزقنا الله إياها و ساعدنا على تقويمها حتى اثمرت بالخير...انتم كل دنيتي يا سليمان ربي يحفظكم لي و يقر عيني برؤيتكم فرحين سعداء)
ببسمة شقت وجهه تتوسط لحيته الخفيفة ذات الشعيرات الفضية مال يلثم شعرها قائلا حنان...
(لا حرمني الله منكِ يا غالية)
ربتت فوق صدره ليصدح رنين اساورها بينما يتخلله صوتها المتسائل...
(متى ستتوكلون على الله و تذهبون الى اهلها؟)
رغم فرحته بزواج كرم إلا انه يشعر بشعور سيء... من ناحية هدير ابنة عبد الصبور و الذي ظن انه سيسلمها لمن يصونها و من ناحية ترقبه لرد فعل اهل غسق فلا يظن انهم سيوافقون!... انتبه لصوت زوجته الذي ينادي عليه
(سليمان اين شردت؟!)
تعلقت عيناه بخصلات شعرها يقول...
(أفكر في أمر هدير ظننتها ستكون نصيب ولدي... أردت سترها ليطمئن قلبي و اشعر بأني اديت الأمانة)
اعتدلت تربت فوق كفه قائلة بدفاع فطري عن رغبة ابنها...
(بإذن الله ستوصلها لبيتها بيدك لكنها ليست نصيب كرم فلا تحزن... لقد اختار قلب كرم يا حاج)
هز رأسه يقول برزانة...
(على بركة الله فليبارك الله له في اختياره و يوفقه و يجمعه مع من يريد... سنذهب لهم نهاية الاسبوع ان شاء الله)
بالخارج...
ابتعدت عن الباب الذي الصقت اذنها به تتنصت عليهما بعدما سمعت صوت فتح باب الشقة و دخول صالح... هرولت الى غرفتها بسرعة تدخلها و تغلق بابها خلفها بنظرة مصعوقة... تحركت بلا هدى في الغرفة تشد جلبابها بغضب كبير... عيناها تزيغان في كل اتجاه و ما سمعته يؤجج بداخلها عواصف الغيرة... انتقلت يدها حيث فتحة صدر جلبابها تشدها بعنف هامسة بصوت حاقد...
(الدكتورة!!!... كرم سيأتي لنا بالدكتورة!!!)
تعثرت في خطواتها و كادت تسقط لولا تشبثها بالسرير... رفعت وجهها تنهت من فرط الغضب ليحتل الغل ملامحها فتهمس...
(لن تخطو هنا ابدا لن اسمح لهم... لو جاءت ستكون الكل في الكل فهي الدكتورة بعد كل شيء!!!... يا لمصيبتك يا سهر يا لمصيبتك!!!)
جلست على السرير تضرب فخذيها بيديها بقوة تهمهم و كأنها شخص تلبسه ارواح شريرة...
(فعلت كل شيء كي ابقى انا هنا الاهم و لن اتنازل عن هذا ابدا... ماذا لو تزوجها و انجبت له؟!!... أينقصني أنا كرم و ابناء كرم و من من "من ست الدكتورة!!"... ألا يكفي حب والدته له؟!!... لا و الله لن اسمح باستكمال هذه الزيجة!!)
وقفت تنفث غضبها بحدة و تدور حول نفسها تفكر في أي شيء يمكنها فعله لتمنع زيجة كهذه... تتنفس بصورة مخيفة و يديها تارة تشد جلبابها و تارة تشد خصلات شعرها من الغيظ... كيف لها ان توافق عليه و هي بكل هذا الغرور الذي يعرفونها به؟!... أليس من المعروف ان الاطباء يتزوجون من بعضهم... لمَ وافقت عليه لمَ؟!... توقفت عن دورانها فجأة لتبرق عينيها و تصمت بشكل مخيف...بؤبؤ عينها تحجر في مكانه لتهمس و كأنها تحدث احدهم امامها...
(لا توافق هذه المغرورة على الزواج برجل أقل منها إلا إذا كان هناك خطبا ما... علي أن أعرف سبب موافقتها)
غامت عيناها بشر تهمس بتأكيد...
(على جثتي ان تتم زيجتكما يا كرم... لو أدخلت بيننا هذه المغرورة ستحاوط على كل شيء و انا لن اسمح لكما بهذا ابدا)
أنت تقرأ
لقياك لي المأوى(مكتملة)
Romantizmرواية للمتألقة آية أحمد حقوق الملكية محفوظة للمبدعة آية أحمد لُقياك ليّ المأوى خليط من حكايات يعزف لحنها بحر الحياة...بين أمواج متلاطمة تارة و ناعمة تارة أخرى نعيش... و على شاطئ رماله ذهبية تعكس رونق الشمس يحاوطنا الدفء و يتسلل لشرايين الروح قبل الج...