الفصل الرابع عشر
صعب أن يصادف وقت بوحك بسر عظيم وقت خسران مبين....
فما أبخس قدر الأوقات الغير ملائمة لبوح الروح!
و ما أقسى الحياة!!!
********اتجه نحو صاحبه الجالس ارضا فوق رمال الشاطئ يقابل عتم الليل و ظلام البحر يزداد قتامة مع صوت هدير امواجه العنيف...حث خطواته اليه بجسد متأهب لفتح باب للجدال فقط كي يخرج أيوب مما هو به...توقفت خطواته جوار جسد صاحبه فرفع ايوب نظره عاليا للجانب ليتعرف على هوية القادم...ثم انزل بصره مجددا يسخره لمتابعة البحر الهائج كما حال نبضات قلبه المبعثرة...تنهد كرم بضيق ليجلس جانبه و يناظر البحر بنظرات غامضة و كأنه لم يكتفِ بغموض الليل و عتمته و كأنه يريد التسرية عن نفس ضاق بها كل شيء...و تعبت من طيلة الكتمان... ما يمر به ايوب و ما رآه بعينيه عندها و اعتراف ذلك الرجل بإعجابه بها يزكي حالة الغموض و الثورة الداخلية تشتد حتى بات وثاق روحه مغلظا جارحا بل سارقا للروح...زفر ببطء و بصوت مسموع ليهم بقول ما في جوفه عله يساعد صاحبه على المضي قدما و يطفئ نيران قلبه المخدوع...
(الى متى تنوي الاستمرار في هذه الحالة؟!)
لم يلتفت ايوب ظل كما هو عيناه معلقتان بالبحر ليهمس بصوت مبحوح...
(حتى تنطفئ نيران روحي)
تعلقت عينا كرم بالبحر و قد راوده شعور ان تياره الهادر سيجرف معه كل ما طمره لسنوات...
(لن تنطفئ و انت بيدك تلقي حطبا فوق حطب لتتأجج بداخلك)
صوت انفاس ايوب حينها كان مسموعا فحاول كبحه بتمسكه بحبات الرمل الرطبة جواره... يقبض عليها بقوة و يعتصر حبيباتها بعنف يترجم كل ما يعتمل صدره فقال...
(الجمر في حشاي يلتهب فيحرق الروح و الجسد)
سحب كرم نفسا عميقا و عيناه لا تبرح البحر... و كأن حالة ايوب وصفا صريحا لهما معا... و آه من كلمات ثقال تلامس جروح الروح بنصل سيف بتار...زفر نفسه العميق بقوة ليقول آمرا و لم يعرف صاحبه ان الامر كان لهما معا...
(انسها ايوب لقد اصحبت لرجل آخر... انسها)
التفت وجه ايوب له بسرعة البرق... فألتقف كرم نظراته الحمراء المشتتة و ملامحه المعذبة... عقد ايوب ما بين حاجبيه قائلا باستهجان..
(انسى من!!!... انسى فتاة تعلقت بها منذ صباي و منيت روحي كثيرا انها لي... انسى عمرا قضيته حولها و قلبا وهبته لها... انسى حبي الذي لم اعرفه سوى معها ام انسى وجعها الذي سببته لي و هربت)
احرقت عيناه الدموع فأبعد وجهه عن كرم يناظر البحر مجددا... همهم بصوت متحشرج موجوع
(كيف انسى انها باتت في احضان رجل غيري؟!... انا احترق يا كرم احترق وحدي و لا احد يفهم ما امر به)
يكفي يا ايوب بالله عليك يكفي نبشا في جرحي... انا جوارك رجل يحترق منذ سنوات بلا صوت... ابعد عينيه كما فعل صاحبه ليحتضن موج البحر غموضه... قلبه ضاق بما حوى و الجرح بداخله اكتوى و النيران تصاعدت السنتها لتصل بلهيبها عنان سماء الروح العليلة بسقم الهوى... فهل حان وقت البوح ليخفف عن روحه الحمل؟!... هل رفاهية التعبير عما يدور في قلبه باتت متاحة؟!... لا يعرف او بالأصح لا يشعر فبعد شعور خسارتها "المؤكدة" لا يضاهي روحه شعور..
(لست وحدك ايوب... لست وحدك صاحبي يبدو كُتب على ارواحنا ان ترتبط بمن لن نصل اليها)
صمت ايوب الذي لم يتغير منحه حرية الكلام... و قد تم فك اسر مشاعره اخيرا ليبوح بما اتخم به صدره و روحه و كل كيانه...
(ان تجدها قدرا دون سابق انذار و تظن انك لن تلاقيها مجددا فتكتشف انها اقرب اليك منك... ان تراقب نضجها يوم بيوم دون كلل او ملل مأخوذا و كأنها كل الكون… ان تحفظ كل خلجاتها صغيرها قبل كبيرها اكثر منها نفسها...)
خفت صوته فجأة ليزدرد ريقه هامسا بحروف يذوق معها طعم الحقيقة المُرة...
(ان تستمر بكل حماقة في عشقها خفية حتى ان كنت متيقنا من صعوبة وصولك لها...فأين أنت و اين هي؟!!... هي الغافلة تماما عن رجل تجري في عروقه جريان الدم و يتنفس مرآها كنسيم للروح)
زفر زفرة مشبعة بأنين روحه... لم يكن يظن ان البوح بحبها سيكون صعبا هكذا... لم يكن يتوقع يوما ان تخرج غسق روحه من ظلمات الكتمان الى نور البوح... هي التي لا ترى فيه سوى ذاك المراهق سيء السمعة و شاب يفتخر بقوته... هو ليس موجودا في نطاق حياتها بالمرة... لكنه رجل رشيد فمنذ احبها و هو يعرف بأن ابدا لن يجمعهما طريق... فشتان بين طريقهما في وجهة نظرها... و لو تعرف بأنه طوع طريقه لأجلها و رضي بالسير فيه خلفها دون مقابل... فقط يكفيه ان يحاوطها بظله الظليل من لهيب شمس الدنيا... اكمل بصوت خافت مهتز و قد تلاشى غموض عينيه ليترك لعشق اصابه في الصميم الساحة ليتربع ملكا عرش مقلتين ذابا حبا أذل كبر صاحبه...
(كوى الفؤاد حبها و لا ادري كيف سأحتمل حينما تهب قلبها لرجل غيري)
(كرم!!)
صوت ايوب المصعوق جواره جعله يتوقف عن الاسترسال... وصلة البوح ها هنا انقطعت و حقا يكفي ما قال... جز فوق ضروسه بقوة طاحنا كل المواقف التي رآها فيها مع رامي... ابداء اعجابه بها لا يزال يمر بين جفنيه و كأنه رؤى متكررة... من هو ليجرؤ على الحديث معها بهذه الطريقة؟!... من هو ليمد يده قبله نحوها؟... من هو ليسلبها منه و حبها تخلل كل خلاياه فباتت جارة قلبه..
اتخذ الصمت سبيلا مما دفع ايوب لأن يركن كل ما يمر به جانبا و يلتفت لصاحبه يتفقد ما اصابه...كرم دوما يكتم مشاعره عمن حوله لكنه لم يكن يعرف بأنه جيد الكتمان ليخفي حب غسق داخله كل هذا العمر!!!...لقد ظن لسنوات انها تعني له بسبب فضلها عليه ماضيا و صاحبه رجل يرد الجميل بعشرة...سؤاله خرج مبحوحا متعبا
(لمَ؟!!)
لا يعرف أيسأله صاحبه عن سبب حبه لها ام عن كتمانه الذي اجاده سنين...ام عن بوحه الآن بما جاش بصدره...ام لمَ هي تحديدا؟!!!... التفت لصاحبه يناظره بعين فشت سر الغموض و باتت نظرتها نظرة عاشق اصابه عشقه بحريق الروح...أيخبره بأن نصيبهما ان يتقاسما نيران الجوى معا ام يصمت؟!... لكن هل يشفع الصمت هنا قلبا يحترق؟!!!... اسدل ستار غموضه مجددا فاتشحت عيناه برداء القوة ليهب واقفا ينفض عن بنطاله ذرات التراب الندي قائلا...
(علينا العودة فالحاج يحتاجنا لتوزيع لحوم الأضحية)
تحرك امام عيني صاحبه الذي خرجت انفاسه بطيئة تعاني عدم التصديق...وقف ايوب بتمهل ينظر للبحر بعمق ثم عاود النظر لجسد كرم الذي يبتعد...همهم بصوت مثقل بمتاعب تضاعفت حينما باح صاحبه سره...
(اتمنى ألا يكون نصيبك من العشق مثلي)
أنت تقرأ
لقياك لي المأوى(مكتملة)
Romanceرواية للمتألقة آية أحمد حقوق الملكية محفوظة للمبدعة آية أحمد لُقياك ليّ المأوى خليط من حكايات يعزف لحنها بحر الحياة...بين أمواج متلاطمة تارة و ناعمة تارة أخرى نعيش... و على شاطئ رماله ذهبية تعكس رونق الشمس يحاوطنا الدفء و يتسلل لشرايين الروح قبل الج...