الفصل الخامس والعشرون

12.4K 264 2
                                    

الفصل الخامس و العشرون

سحبت الغطاء حتى اخفت رأسها بالكامل اسفله كي تحجب صوت رنين الرسائل المرسلة بلا توقف...لحظات مرت حتى صدح الهاتف مجددا بنغمة الرسائل...ازاحت الغطاء بعصبية تزفر بغضب بينما تصيح...
(أف أف ألا يمنحون للمرء الراحة أبدا)
استقامت جالسة في سريرها بشعرها المشعث و وجهها المتبرم لتلتقط هاتفها ناوية ان تضعه على وضع الاهتزاز...فور التقاطه تم ارسال رسالة جديدة لها من رقم غير مسجل مضمونها "أين أنتِ لماذا لم تأتِ للمشفى حتى الآن؟!"
اغمضت عينيها تهدأ من غضبها المتصاعد بينما تهمهم بضيق...
(حسنا ديما اهدئي و تنفسي ببطء...لا بأس إذا نغصوا عليكِ اجازتك اليتيمة اساسا تعرفين أن مؤيد لا يعطي اجازات بالمجان)
فتحت عينيها تضغط على الهاتف بحدة لتفتح الرسائل...كتبت بعينين ناعستين...
"مرحبا من أنت"
وصلتها رسالة الرد سريعا..
"ألم تسجلي رقمي عندك كل هذا الوقت؟"
مسحت فوق وجهها بيد بينما الاخرى تعتصر الهاتف لتردف بمواساة لنفسها...
(لا بأس ديما خذي الأمور بسلاسة)
عادت تكتب برد مقتضب..
"عفوا الرقم عندي غير مسجل فمن أنت؟!"
وصلتها رسالة حولت ملامحها الناعسة للبلاهة..
"ما رأيك أن تخمني من أنا من اسلوبي؟"
زفرت هذه المرة بصوت مسموع...يبدو ظريفا متحذلقا لديه وقت فراغ فأحب أن يمزح و جاءت فوق رأسها هي...الغبي لو يعرف ماذا يعني ان يخرب أحد لها ساعات نومها الثمينة!...ردت بحروف حادة و محذرة
"يبدو تظن نفسك خفيف الظل يا هذا...لا تراسل هذا الرقم مجددا و إن حاولت و تواصلت من رقم غيره سأجعلك تندم...لا تعبث معي فأخي ضابط"
وصلها عدة وجوه ضاحكة قبل رسالة زادت من بلاهتها...
"هكذا اطمأننت على زوجة المستقبل"
اوشك اصبعها على ضغط كلمة "حظر" لتنهي هذا العته لكنها توقفت لتقرأ هذه الرسالة الجديدة...
"لا تهدديني بأخيك فأبي كان ضابطا في الجيش يعني رتبة أعلى...فقط تأخرتِ عن ميعاد دوامك اليومي فأحببت أن اطمئن"
ضيقت عينيها بتفكير لتكتب...
"لأخر مرة سأسأل من أنت ؟!"
اتسعت عيناها بذهول بعدما وصلها الرد و الذي كان صورة لكاظم الساهر...ابتلعت ريقها ببطء لتسقط الهاتف و ترفع كفيها الى شعرها تضغط عليه بقوة...حسنا لقد انشأت مجموعة دردشة تضم الفريق المسؤول عن المؤتمر الصحفي ليتناقشوا فيما يحتاجون و هو كان واحدا منهم...تبا لهذا فخلال ايام العمل كفريق كانت تتهرب منه طوال الوقت بينما هو يحاول القرب اكثر...حسنا انه وسيم تعترف لكنه لحوح بدرجة تخنقها...يا خوفها لو ما تخمنه صحيح و ان هذا الكاظم معجبا بها!...
"دكتورة ديما أين ذهبتي؟!"
رسالته الجديدة جعلتها تعيد التقاط الهاتف لتكتب له...
"دكتور كاظم ماذا تريد بالضبط؟!"
تراقب بالأعلى كلمة "يكتب" ثم ثوان و تختفي ليعود و "يكتب" ثم يتوقف للحظات قبل ان تصلها رسالته...
"لا يصح أن أقول هذا في مجرد رسالة على الهاتف لأن قولها و أنتِ أمامي بينما أنظر في عينيك يهمني لكن لابأس من توضيح الصورة قبل أن يتم وضعي في قائمة المحظورين أو ربما أخاك الضابط يلقي القبض علي...دكتورة ديما أنا معجبا بك و أود أن تتعرف عائلتي على عائلتك"
شعرت بحرارة الخجل تغزو وجنتيها فنهرت نفسها بهمس...
(لا مستحيل انه ليس نوعي المفضل ابدا...انا اريد رجلا رزين عاقل مثلا كزوج غسق و اصدقائه أما كاظم هذا ليس هكذا...نعم وسيم اعترف و ضحكته حلوة لكنه ليس كما تخيلت ان يكون شريكي!)
تنحنحت بحرج بعدما حسمت امرها فكتبت بقرار لا رجعة به..
"دكتور كاظم شكرا لمشاعرك نحوي لكنني آسفة لا يمكنني مبادلتك مثلها فأنا مرتبطة"
لحظات مرت حتى سألها برسالة احست من حروفها كم ضايقه الأمر...
"هل هو ارتباط رسمي أم لا؟!"
قضمت شفتيها بتفكير فعليها مجاراة هذه الكذبة...كتبت له كلمات غير مرتبة
"تستطيع أن تقول رسمي"
"كيف هذا؟!...دكتورة ديما هل قابل هذا الشاب والدك...هل ألبسك خاتمه في يدك...هل أهلك و اصدقائك يعرفون عنه؟!"
زفرت بقلق من هذه الكذبة التي بدت للتو كارثية...هي لم تدخل من قبل في أي علاقة حب فماذا ستخبره الآن؟!...نفضت الغطاء عن ساقيها لتتكور في جلستها و تستند على ظهر سريرها تؤلف له اجابة...
"لا ليس بعد لكنه سيأتي ليطلبني من أبي قريبا"
رسالته الأخيرة جعلتها ترمش لمرات متتالية بينما وجنتاها تضرجان دون عناء بحمرة الخجل...
"لن يأتي...لن أسمح له بأن يأتي لأنني سآخذ هذه الخطوة قبله...ديما أنا حقا لم اتأثر بأي فتاة من قبل مثلما تأثرت بك...أعرف أننا نعرف بعضنا من وقت قصير لكنني واثق من مشاعري نحوك و سأدعك تتأكدين من مشاعرك ايضا"
اغلقت الهاتف بعد عدة دقائق لتلقيه جوارها على السرير و تضم ساقيها الى صدرها هامسة بتساؤل خجول...
(ما هذا الذي حدث؟!...هل هناك أحد ما يفكر بي أنا ايضا على هذا النحو؟!...هل هناك من يحبني و يسعى الي؟!)
************
وضعت الشوكة في الطبق الفارغ بعدما اطعمت يائيل فطوره...منحته بسمة حنونة تمسح فوق رأسه لتميل عليه تقبله قبل أن تحمله المربية لتساعده على غسل يديه...عادت أريج ببصرها لطبقها الذي لم تلمسه من الأساس لتتنهد بتثاقل متعب...ناظرت هاتفها الموضوع جوار الطبق بطرف عينيها و كأنها تخشى ان تراه...امتد كفها اليه لكنها كورت اصابعها قبل أن تلمسه للحظات لم تدم و غلب فضولها قوة تحكمها في نفسها...أخذته و فور فتحه ظهرت صفحة مؤيد الشخصية على موقع التواصل الاجتماعي...منذ ارتها إياها ديما و اصبح شغلها الشاغل تصفحها ليل نهار...تقيم كل شيء عنه و عنها و عن حياتهما معا...و كلما تعمقت اكثر شعرت بالضيق اكثر...وصلت الى منشور يحتوي على صورتهما معا...يبتسمان بسعادة بينما يحاوطها مؤيد من خصرها بطريقة اثارت حنقها...زفرت بصوت خفيض بينما تقرأ ما كتبه مع الصورة...
"كنت وحيدا كآدم و جئتِ تزينين عالمي كحواء"
عوجت شفتها بسخرية تهمس بغضب...
(و كان يعرف كيف يتغزل ايضا أما الآن لا نرى منه سوى البرود)
اغمضت عينيها بضيق تمنع نفسها من استكمال هذا الشعور بالغيرة!...ستكون صريحة مع نفسها كعادتها دائما نعم هي تغار...تغار مما تراه من حنان و حب منحه مؤيد لمن كان حوله و الآن بات فظا مقيتا مع كل الناس!
(لا تقسو عليه أريج فما عاشه كان صعبا و لا يحق لكِ الانزعاج من ذكريات انتهت)
عادت تنظر لصورة إيڤا طويلا تعترف بجمالها الناعم فتكمل بصوت مخنوق...
(و من امرأة باتت غير موجودة)
رفعت كفها تلملم خصلات شعرها المنفلتة بأصابعها متسائلة بتخوف...
(أريج أنتِ تغارين لأجله ليس عليه أليس كذلك؟!...يعني تحزنين لتحوله الجذري ليس أكثر...نعم بالتأكيد هذا هو الأمر)
زفرت بحدة تترك خصلاتها لتستند بجبهتها على كفها مغمضة العينين...ماذا تغير بها منذ عرفت حكايته؟!...تعبت من كثرة التفكير فيه و في كل لحظة من حياته السابقة...هزت رأسها بتعب لتهب واقفة دون ان تترك الهاتف و تنوي التوجه الى الحديقة الخارجية...لكن قدوم مؤيد و سؤاله الهادئ اوقفاها...
(الى أين؟!)
نظر حيث طبقها فوجده كما هو فظن انها أتت للتو...ضيق عينيه قليلا يردف
(ألم تعتادين بعد على الالتزام بمواعيد الطعام هنا...)
التفتت له تتخصر في وقفتها لترد عليه بندية...
(على الأقل قل هذا الحديث لنفسك فأنت من تغيب عن وجبة الفطور لا أنا)
أن تباريه هكذا و تقف ندا له يبث بداخله شعورا بالمتعة و ربما الحياة...ابعد بصره عنها يجلس بهدوء في مكانه يضع هاتفه جوار طبقه قائلا...
(رغم انني غير ملزم بالتبرير لك لكن كان لدي مكالمة هامة)
رفعت حاجبيها عاليا بذهول من رده الفظ فقالت ببرود تعلمته منه...
(لم اسألك التبرير!)
صدرت منه ايماءة صغيرة متفهمة ليمسك بعدها شوكته و يبدأ في تناول الطعام...راقبته يأكل بنظام كعادته دون ان يسألها الجلوس...فطرأ عقلها سؤال بأن هل كان لا يلح على حبيبته السابقة كما يفعل معها الآن؟!...زمت شفتيها بغضب تراقبه و ترد على سؤالها...
(بالتأكيد كان يلح و ربما لا يأكل حتى تأكل هي)
هزت رأسها مجددا بتعنيف لنفسها عما تفكر به...لاحظها في جلسته و هي تبدو كعصفور فشل مرات في محاولة طيرانه الأولى...ارتعشت شفتاه قليلا لترتسم بسمة مستمتعة بحالتها الجديدة هذه...تحكم في نفسه ليأمرها بجمود معتاد
(أجلسي و تناولي طعامك)
انتبهت لأمره فكادت ترفض بعناد عله يحسن من طريقته الفظة معها لكنه اعار هاتفه كل الانتباه و كأنها ليست هنا...تنفست بغضب من معاملته التي تقلل منها و هي التي باتت لا تفكر سوى به و تتساءل كيف يمكنها ان تساعده لينسى الماضي او يرممه على الأقل...رفع وجهه لها فاصطدمت نظرته المستفهمة بنظرتها الغاضبة حتى تقهقرت نظرتها و ركنت للترقب الذي تحول لحرج لم تفهم من أين صدر حينما سألها...
(هل أرسلت لي طلب صداقة؟!)
في صمت مطيع نفذت أمره الذي فرضه قبل لحظات و جلست كحمامة مسالمة تلتقط شوكتها و تتلاعب في طبقها قائلة بصوت لا مبالي...
(نعم...ديما اخبرتني انك تجيب على الرسائل فقلت ربما احتاج ان ارسل لك فيما بعد و...)
قطع حديثها صوت تنبيه الاشعارات...ضغطت على هاتفها فأنار لترى انه قبل طلب صداقتها...رفعت وجهها نحوه فوجدته يحمل فنجان قهوته يحتسيها بينما ينظر اليها نظرة ظنتها ماكرة!...انزل فنجانه ليقول بهدوء معتاد رغم تغير لمعة عينيه...
(لم اسألك التبرير!)
ما باله؟!...كلما قصفت جبهته بقصد او بدون يردها لها بثقة في بادئ الأمر كانت تراها مقيتة أما الآن تشعرها بالخجل!...لقد فقدت عقلها و طبعها الحنون المتعاطف معه هذا هو السبب...تعلقت نظراتها به دون ان تشعر فاستند على الطاولة بمرفقيه يقترب برأسه منها متسائلا
(هل بي شيئا مختلف اليوم يلفت نظرك؟!)
ضيقت عينيها بجهل لم يلبث ان تحول صدمة...اتسعت عيناها تناظره بحرج جعلها تسبلهما لثوان ثم ترفعهما لتتحداه بنظرة مشتعلة كحال حروفها...
(و هل منحت عجرفتك ادنى مساحة لأي شيء آخر كي ألاحظه؟!)
أريج الشخص الوحيد الذي يجابهه بلا أي تردد...و كم يزيد هذا من متعته...معها يشعر بأنه شخص عادي ليس البارد الذي لف روحه بداخل جسده و لا الشاب المشاكس الذي عاش حياته بلا حساب فخسر خسارة قتلته...معها يشعر بالاتزان بأنه رجل اثقلت خبرته الحياة رغم سنين عمره الصغيرة...ربت بأصابعه فوق الطاولة قبل ان يقول
(أن تري جانب واحد من المرء يعني أنك ضعيفة النظر و سطحية التفكير)
شهقت برفض تؤشر على نفسها قائلة بذهول...
(أنت تقلل من شأني هكذا!)
ابتعد بجسده يستند على كرسيه قائلا ببساطة...
(و مع ذلك انها الحقيقة)
وقف يعدل من وضع حلته بينما هي ترمقه بحدة غاضبة...ابتعد خطوات عن السفرة قائلا
(سأنتظرك في السيارة حتى تنهي ارتداء ملابسك)
تبدلت ملامحها الغاضبة لأخرى مترددة بعدما وقفت تناديه...
(مؤيد )
توقفت خطواته فالتفت ينظر لها بترقب حتى قالت...
(لا استطيع الذهاب للمشفى اليوم)
ضيق عينيه يتفحصها جيدا ثم سألها...
(تبدين بخير أمامي أم انك مريضة؟!)
تنهدت بإرهاق تقول...
(لست مريضة لكنني مجهدة و لا اشعر بأنني في حالة تسمح لي العمل اليوم)
طالت نظرته لها كما طال صمته مما جعلها تهز رأسها بتفهم فتهمس بينما تلتفت تجاه الدرج...
(حسنا فهمت...لحظات و سأصعد أبدل ملابسي و آتي)
كادت تتحرك لولا جملته التي لمحت بها بعض الحنان...
(تبذلين جهدا كبيرا مع يائيل فعليك الراحة...يمكنك الغياب اليوم)
و دون اضافة المزيد خرج امامها و تركها تراقب ظله المتروك...هل يتغير معها أم تتوهم هي؟!!...عادت تجلس على كرسي السفرة مجددا فتحط عيناها على هاتفها...التقطته بفضول تفتحه حتى وصلت لصفحته الشخصية...و كما توقعت فهنا العديد من المنشورات التي لم ترها من قبل تحت خصوصية الاصدقاء...قلبت فيهم بلا ملل حتى توقفت عند منشور شاركته ديما قبل سنة تقريبا...صورتها مع يائيل بينما تضمه ببسمة مرحة...عيناها تحركتا على الكلام المرفق مع الصورة فتبتسم بحنان كبير...
"عيد ميلاد سعيد ايها الساحر الصغير"
ضيقت اريج عينيها بتفكير قبل ان تغلق التطبيق و تفتح التطبيق الخاص بالتقويم...توجهت اصابعها حيث اليوم المنشود لتجد انه ليس ببعيد مطلقا...عيد ميلاد يائيل السابع على وشك القدوم!!...اتسعت بسمتها بسعادة لتقطع وعدا مع نفسها بأنها ستجعله عيد ميلاد لا يُنسى لأجله...و ربما لأجل والده ايضا!...

لقياك لي المأوى(مكتملة)حيث تعيش القصص. اكتشف الآن