الفصل الثلاثون

10.9K 265 2
                                    

الفصل الثلاثون

(غسق!!...غسق ما الذي يحدث عندك؟!!)
صوت مؤيد المتسائل بقلق كان عاليا و قد التفت على إثره بعض المارة في الشارع...الأصوات تداخلت و هناك جدل محتدم عند غسق ما وصله منه ليس سهلا ابدا...تكورت اصابعه على عجلة القيادة و صوت غسق يصله بعيدا لكن مفهوما...رفع بصره سريعا تجاه باب السيارة و الذي فتحته أريج بتوجس من صوت مؤيد و ملامحه فسألته بخوف...
(مؤيد ماذا هناك؟)
بقي الهاتف معلقا على أذنه يستمع لكل ما يحدث بغضب يتفاقم فطريقة المعاملة التي تتلقاها غسق حاليا مهينة جدا...قال بتساؤل متحفز
(قمتِ بالتسجيل أليس كذلك؟)
اومأت سريعا بينما تتساءل بقلق يزداد...
(نعم لكن ما بك أنت و من تحدثه على هاتفي؟!!)
سألها بترقب سريع...
(من قمر هذه؟!)
ضيقت أريج عينيها بعدم فهم تهز كتفيها بجهل و تقول..
(لا أعرف...ماذا يحدث مؤيد؟!)
سؤالها الأخير تزامن مع حركة يدها التي اخذت هاتفها من فوق أذنه تنظر لاسم غسق باستغراب ثم تضعه فورا على أذنها فتتسع عيناها بهلع من الصراخ الصادر...عادت تنظر لمؤيد و تتساءل بجزع...
(ما هذا؟!!!)
قبل ان يقول مؤيد حرفا وصل أريج مطلب قمر كاملا فشخصت عيناها بجنون و هي تناظر مؤيد المترقب و كأنها تطلب عونه في شيء ما...تنفست بوتيرة متزايدة بينما تقول بنبرة اوحت له ان ما يحدث يُصنف كارثة...
(اتصل بيوسف حالا و اطلب منه ان يتحرك)
نظراته كانت متسائلة لكنها ضغطت على حروف رجاءها بخوف وصله كاملا...
(اسرع مؤيد غسق في ورطة كبيرة!)
يوجد معلومة ناقصة لا يفهمها و هي سبب ما يحدث لغسق حاليا فقال بتوضيح للأمر
(يجب ان نقدم نحن البلاغ للشرطة أولا يا أريج و بعدها...)
صرخت بجنون و التطورات السريعة عند غسق تشل تفكيرها...
(لا يوجد بعدها يا مؤيد...غسق متهمة في سمعتها و اسم سهر تردد أكثر من مرة في وسط هذا الصراخ...يا ربي تبدو عرفت عن اكتشاف غسق و هبه لفعلتها فيهما و سبقتهما بخطوة...كنت اشك بأنها تعرف حقيقة ما حدث لغسق لكنها تنتظر الفرصة المناسبة لتفضح الأمر)
تحفز مؤيد في كرسيه يعقد ما بين حاجبيه متفحصا أريج قبل أن يسألها صراحةً...
(هل تعرضت غسق لاعتداء من قبل؟!)
دموع عينيها التي حضرت سريعا اخبرته عن وجع ذكرى تشاركتها مع غسق...عيناها تصرخان طلبا للعون...رفع حاجبيه عاليا من فداحة الأمر فحدسه اصاب!...لكنه تمالك نفسه و شعور مساعدة غسق يزداد داخله...ركن صدمته جانبا ليرفع هاتفه على اذنه و فور سماع صوت ابن عمه قال...
(يوسف اتخذ خطوتك الآن فلا يوجد مجال للانتظار الاحداث تطورت جدا و الأمر خطير)
اغلق مع ابن عمه ليشغل محرك سيارته متسائلا بغضب...
(أين بيت غسق؟)
تشبثت أريج بكلتا يديها بالهاتف تصف له الطريق و الذي لحسن الحظ ليس بعيدا عن هنا...تدعو الله ان تصل في الوقت المناسب قبل ان يضعوا غسق في خانة اللا مفر...همهمت برجاء لصديقتها حتى و ان كانت لا تسمعها..
(لا تقسمي غسق ارجوك...تماسكي حتى نأتي)
********
تحرك ثروت في صالة الشقة يبحث عن زوجته بتعجب فلا صوت يصدر منها...و عندما اقترب من الشرفة لمح ظلها هناك فتنهد براحة ثم دلف اليها متسائلا بتعجب...
(أمل ماذا تفعلين في هذا البرد؟!)
دون ان تغير من وضعية جسدها و تبعد عينيها المتعلقتين بشيء ما قالت...
(كنت أعلق الثوم فرائحته عبأت المطبخ كله لكنني لمحت أنوار بيت المراكبي مضاءة)
اقترب ثروت من زوجته ينظر سريعا الى بيت المراكبي المضاء على عكس حالته منذ الحادث فتساءل...
(ترى هل عادوا؟!)
التفتت بجانبها له تقول..
(اتصل بغسق و دعنا نعرف أين هي...ألا يكفي انها تقضي الليالي في هذا البرد معهم بالمشفى!)
تحدث ثروت بتريث...
(غدا اهاتفها يا أمل فالليل أقبل...)
التفتت له بكليتها تقول بعصبية متضايقة على حال ابنتها...
(هل نحتاج لإذن كي نتصل بابنتنا؟!!)
قال ثروت بهدوء يمتص قلق زوجته...
(بالتأكيد لا و لكن ابنتك باتت مسؤولة عن زوج و فردا من عائلته فعليها مشاطرتهم افراحهم و احزانهم يا أمل...)
صوت السيارة التي توقفت بشكل سريع فاجئ ثروت و زوجته فانتبها لها بتعجب...دققت أمل النظر في هوية الرجل الذي خرج منها بترقب...يبدو بعيدا بهيئته هذه عن الحي و أهله لكن بعد خروج الشخص الثاني اتسعت عيناها لتردد بذهول...
(هذه أريج!!)
هرولة أريج مع مؤيد الذي سأل أحد المارة عن بيت المراكبي و دله عليه اصابتها بالرعب على ابنتها...فلم تمهل نفسها لحظة للتفكير بل هرولت  بسرعة تقول...
(غسق بها شيء يا ثروت!)
دلف زوجها خلفها يقول بتعقل رغم خوفه...
(تمهلي يا أمل و لا تفترضي السيء فنحن لا نعرف إن كانت غسق هنا أو بالمشفى!)
توقفت أمل عند باب غرفتها تلتفت لزوجها قائلة بحدة مرتعبة...
(و هل تحتاج لافتراضات يا ثروت؟...أريج لمن ستأتي غير غسق...الله يعلم ماذا فعلوا بابنتي ربما مرضت او تأذت بسبب مشاكلهم التي لا تنتهي...قلتها مليون مرة من قبل هذه الزيجة لا تصلح ابدا...و الله لو اصاب ابنتي مكروه لأخرب بيوتهم)
قالت ما ارادت ثم دلفت غرفتها تبدل ثيابها على عجلة من أمرها لتطمئن على ابنتها...بينما ثروت لن يكذب على نفسه فهو ايضا متوجس من قدوم أريج لذا أسرع ليلج خلف زوجته و يبدل ثيابه داعيا الله أن يحفظ ابنته من أي شر...
******
بيت المراكبي...
(أنكِ دخلتي هذا البيت و أنتِ فتاة لم يلمسك أحد)
تصلبت اصابع غسق فوق المصحف و شحبت بطريقة تثير الشفقة...لو بها موتها لن تقسم كذبا على كتاب الله لأي سبب كان...انه يمين غموس مصير صاحبه أن يُغمس في جهنم و إن تاب عنها يبقى معلقا إما رحمة الله أو عقابه...ماذا الآن؟!!!
(يكفي هذا غير مقبول بالمرة!!!)
صوت هبه الصادح بغضب لم يروها به من قبل منح غسق الفرصة لتتمالك اعصابها...شعرت بكف هبه يحط على كفها فوق المصحف و تسحبه بينما ترمق سهر بحدة قبل ان تهتف في قمر...
(ما هذا الذي تفعلينه بحق الله يا قمر؟!...أتعيبين في زوجة أخيك التي لم نرَ منها سوى الأدب و الاحترام؟!...أنتِ لا تهينين غسق فقط بل و كرم ايضا!)
الانفاس تدخل رئتي غسق بصعوبة مؤلمة من هول ما كانت مجبرة على فعله...صدح صوت سهر العالي بينما تنظر الى غسق الشاحبة...
(قمر لا تهينها يا هبه لقد سمعتها بنفسها و هي تتحدث مع رجل غريب و تخبره بأن كرم لن يعرف ما بينهما)
احتدت نظرات خالد ليقترب من زوجته قائلا بتحذير...
(سهر!!...راقبي كلامك قبل النطق به)
بينما هزت هبه رأسها بتفهم لما يحصل فتنظر الى قمر قائلة بعتاب بينما تؤشر على سهر بغضب...
(سلّمتِ أذنك و عقلك لسهر!!...ألا تعرفينها يا قمر و تعرفين كم هي ناقصة تكره من حولها)
ان تعبر هبه بهذه الكلمات عن شخص و هي التي تزهد الشجار و تتحلى بروح التسامح يعني ان هناك خلل ما...ضيقت قمر عينيها تتفحص وجه هبه الغاضب و الذي استشاط بعدما صرخت سهر بها...
(من هي الناقصة ايتها الأرض البور...لا تعايريني و أنتِ معطوبة و...)
اخرسها جذب خالد لها من ذراعها بقسوة يكمم فمها بحدة قائلا بتحذير...
(اخرسي سهر و لا تتمادي)
افلتت نفسها منه بصعوبة لتقف أمامهم جميعا تصرخ...
(تخرسني عن حقي!...و هي من يُخرسها؟!)
تكورت اصابع هبه جوارها و قد اهتاجت و أنين روحها يتحول لصراخ لن يتوقف و هي تهدر...
(اليوم لا أحد سيخرسني يا سهر...اليوم ما سأقوله سيعري حقيقتك أمامهم)
توقفت الأنفاس في صدر سهر و هيئة هبه تفزعها...ما الذي تقصده بكلامها هذا؟!...تحرك بؤبؤ عينها مع حركة غسق التي تمسكت بذراع هبه بقوة لتهمس لها بشيء غير مسموع لهم...فيحين دور هبه التي هتفت بقهر يتقطر من وجع روحها...
(لا يا دكتورة لا تطلبي مني الصمت اكثر من هذا...انها تتطاول عليك و تتهمك في شرفك و قد تمكنت من عقل قمر)
تأهبوا كلهم في وقفتهم يناظرون ثلاثتهن بأجساد متحفزة و أعين شاخصة و أنفاس تخبو قصدا لتتيح لأصحابها متسع من الصمت حتى ترهف الآذان لكل حرف سيُقال...و على الجبهتين تتواجهن سهر...هبه و غسق...يناظرن بعضهن و أعينهن تفسر ما تخفيه ارواحهن...فيتقلص قلب احداهن بوجع و الأخرى بترقب أما الثالثة فتحاول ان تنفض عنها صدمتها لتدرك الموقف قبل ان تحدث مصائب في عائلة سليمان...احتلت قمر الصورة و قد وقفت بينهن ترمق هبه بعدم فهم و تتساءل بترقب..
(ما الذي لن تصمتي عليه أكثر يا هبه؟!...ماذا يحدث بينكن أنتن الثلاثة؟!!)
اهتز جسد هبه من فرط انفعالها و كبت رغبتها في سلخ روح سهر منها فشددت غسق من تمسكها بها ترجوها...
(هبه ارجوك الدليل ليس معنا حتى الآن و هي ستنكر بكل بساطة و ربما سنعطيها فرصة لتتواصل مع الطبيبة و تتدبرا الموقف....)
نظرت لها هبه و رغبتها الملحة في الصراخ بجرم سهر تشتعل بين جفنيها...قضمت شفتها بقسوة فزادت رعشة جسدها الذي كاد ينفجر من كبحها كل هذه المشاعر اللاعنة...همهمت لغسق بدموع موجوعة
(لم يعد هناك مجالا للتراجع يا دكتورة...سآخذ حق ولداي منها)
ما يحدث أمام عينيها من تضامن بين هبه و غسق انبأها بمصيبة قادمة...هل عرفتا بشأن حبوب منع الحمل!...انتفض قلبها في صدرها عند خاطرها الأخير و أدركت انها ان لم تفعل شيئا الآن لن تفعل ابدا بعد لذا تقدمت لتقف جوار قمر و تقول بصوت مهتز لكنه صادح...
(ما يحدث بيننا كنت اصمت عليه طويلا لأجل أخوتك يا قمر لكن الله أراد أن يفضح أمرهما امامكم جميعا...هبه كانت هرة مغمضة العينين لكنها تحولت كما تري بعدما صادقت الدكتورة...صالح و كرم يعطيانهما الأمان و هما تسيئان لاسمهما و سمعتهما...آاااه)
صوت صراخ سهر المتألم لم يمنحها الفرصة لتكمل حديثها...فقد صفعتها هبه بقسوة لتصرخ بها ببكاء لاعن..
(اخرسي يا كاذبة و لا تستغلين صمتنا و تفترين علينا...كيف تقفين بكل تبجح أمامنا و تقولين هذا؟!...ألا يكفيك ما فعلته بنا؟!...ألا يكفيك قتل ابنائي و حرماني لسنوات من الانجاب؟!!)
اخرستهم هبه بما قالت فحل الذهول عليهم و الزمهم صمت مصدوم...صمت مرعب يمر بينهم بلا تصديق...صوت مفاتيح صالح التي سقطت منه ارضا بعدما فتح باب الشقة كانت رد الفعل الحي الوحيد بينهم قبل ان تخور قوى هبه كليا فتشهق ببكاء منتحب بعدما قبضت على ذراعي سهر تغرز اصابعها فيهما و تتساءل بصوت مذبوح...
(لماذا فعلتي هذا بي؟!...لمَ قتلتي اطفالي و قتلتي فرحتي معهما؟!...بماذا أذيتك أنا لتجعلي حياتي عذابا؟!...كنت أحترق أمامك لسنوات و أنا أسعى لأحمل بطفل جديد...كنتِ ترين دموعي و تسمعين بكائي كل يوم ألم تشفقي علي و لو للحظة؟!!...لماذا؟!!)
رجتها بعنف بين قبضتيها و هي تسألها بقهر مختزن بداخلها من سنوات...الصمت انقشع تدريجيا فوصلتهما همهمات متداخلة من الجميع تحولت فيما بعد لإدراك كامل لكل ما قالته هبه من فواجع!...و رغم الصدمة الجلية في عيني سهر إلا أن الرعب من افشاء خبر كهذا جعلها تهدر عاليا بصراخ تخبئ خلفه حقيقة تنكشف...
(كذب كل ما تتفوهين به كذب...هل لتغطين على تصرفاتك مع زوجة كرم تتهمينني بالقتل؟!!!)
انفرجت عينا هبه لتصرخ بها بجنون..
(ألا زالت لديك الجرأة لتقولي حرفا؟!...هل وجعي و عذابي كذبا؟!...هل ما فعلته بي على مدار سنوات كذبا؟!...ألا تخافي الله و أنتِ تفعلين كل هذا؟!!)
شعرت هبه بأحدهم يسحبها للخلف مخلصا سهر من قبضتها فاهتاجت أكثر لكن حينما نطق صالح وصلها صوته الواهن ليوقفها...
(هبه!!!)
التفتت اليه تبكي بصوت مسموع و تشكو له وجعها...
(هي يا صالح و الله هي...هي من استكثرت علينا ابنائنا فقتلتهما و حرقت قلوبنا عليهما...هي من وضعت لي حبوبا لتمنعني من الانجاب)
تحركت عينا صالح على وجه زوجته بعدم تصديق مصعوق...ضيق عينيه يهمهم بخفوت واهٍ
(ماذا تقولين يا هبه؟!...لقد ماتا لأنك تعانين من مشاكل في الرحم!!)
نكست رأسها امام صدره تبكي حسرة على سنوات كانت فيهم حبيسة كذبة حقيرة دمرتها لتهتف بألم وصل لجميع الواقفين و قد اصابهم الخرس من فداحة ما يقال...
(هكذا اقنعونا يا صالح...هكذا ضحكوا علينا ليداروا قتل أولادي)
احتلت الدموع مقلتيه بعدما رفعهما يواجه أخاه الكبير...يسأله بنظراته أن يُكذّب ما يحصل...ألا تكون زوجته سببا في عذابه و حرمانه من الابناء عمرا طويلا...ارتعش فك خالد من الغضب و حالة أخيه و زوجته تصيبه بالجنون...تقدم من سهر يلفها اليه بحدة هادرا بتساؤل ارعبها...
(هل ما يُقال حقيقة؟!!)
ابتلعت ريقها بخوف لتهمس بتلعثم...
(كذب و الله كذب...)
طحن ضروسه بضراوة ليهز رأسه بحركة عصبية ثم يلتفت الى أخته المذهولة يلتقف منها المصحف و يعود لسهر قائلا بأمر قاطع...
(اقسمي سهر...)
ارتعشت أمامهم برعب لكنها عاندت فلو سقطت لن تقوم مجددا فقالت بصوت عالٍ مستنكر...
(أتشك في زوجتك و أم ابنك يا أبا مازن؟!!...تريدني أن أقسم على كتاب الله أنني لست قاتلة؟!)
صدح صوت فاطمة المصدومة مما سمعته و رأت عليه هبه لتقول بجدية رغم وهن صوتها...
(كما أردتِ أن تقسم غسق عليه افعلي لتبرئي نفسك)
اصفر وجهها بجزع تناظرهم برعب جعل اسنانها تصطك...كل شيء انقلب ضدها في لحظة واحدة...متى عرفت هبه عن كل هذا؟!...لقد فعلتها قبل سنوات و لم يشعر بها أحد...فعلتها لتتخلص من أي شريك يمكنه أن يأخذ اكثر منها في المال أو المكانة...حينما اخبرتهم هبه انها تحمل ولدين في احشائها احترقت من الغيرة و البغض...ولدان دفعة واحدة و من يدري ربما تنجب بعدهما ولدين آخرين!...لم تتمهل للحظة لتطلب من طبيبتها أن تساعدها في الأمر فكما عرفت عنها سابقا تعشق المال و لأجله تفعل أي شيء...و قد وافقتها و اتما عملهما على مياه بيضاء حتى أتت غسق!...نبشت وراءها و جعلت هبه تعرف و الآن يفضحون امرها و يريدون اطاحتها من هنا لتنعما بمفرديهما بأموال المراكبي...عند هنا اهتاجت روحها و وسوس شيطانها لها بألا تخضعي...لا ضير من قسم صغير و بعدها ربك غفور رحيم...اعجبتها الفكرة فلن تسمح بأن يعرفوا حقيقتها و تخرج خالية اليدين من هنا ابدا...قست عيناها كما قلبها لتنظر لفاطمة بحقد ثم ترفع يدها ببطء و تضعها على المصحف فيصيب الذهول فاطمة من قدوم سهر على القسم...صوت خالد عاد آمرا بتحفز ينذر بعواصف صعبة
(أقسمي....)
(لا تفعلي...)
صوت أريج اللاهث بصورة مفرطة لفت انتباه الجميع...الباب الذي تركه صالح مفتوحا جعلها تدلف دون إذن فهي لا تفكر سوى بإنقاذ غسق من قسم عظيم كهذا...تفحصت الوجوه بعينين متوترتين و حينما وقعتا على غسق هرولت الأخيرة اليها بوجه شاحب تستنجد بها في لفظ اسمها بشفاه جافة...
(أريج...)
رفعت غسق عينيها الى مؤيد الواقف خلف زوجته يتفحصها بعينيه كما تتفحصها أريج بكفيها اللذين تمررهما على وجهها و كتفيها بينما تسألها بوجل...
(لا تخافي غسق أنا هنا...ماذا فعلوا بك؟!...هل أقسمتِ على شيء؟!!)
عدم الفهم المصاحب لنظرات غسق لم تجد أريج متسع من الوقت لتجيب عليه حينما وصلها صوت فاطمة المتعجب...
(دكتورة أريج!...ما الذي تفعلينه هنا؟!!)
تمسكت أريج بكف غسق تسحبها جوارها بحركة دفاعية ثم تقع عيناها على هبه المنهارة ببكاء مرير و بعدها تترحلا عليهم واحد واحد قبل أن تستقرا عند سهر ذات الملامح المتوجسة فتقول بنبرة جلدت سهر بقسوة...
(يبدو أن الحقيقة ظهرت لكن ينقصها الأدلة)
عقدت فاطمة ما بين حاجبيها بترقب تسألها...
(هل تعرفين شيئا؟!!)
سحبت أريج نفسا عميقا قبل أن تفلت كف غسق و تفتح حقيبتها تخرج منها بعض الأوراق...فكم تحمد الله على لطف اقداره هذه الاوراق وضعتها قبل خروجها من البيت تحسبا لأي دليل قد يساعدها الليلة و هي تقدم بلاغ للشرطة..
(قبل فترة جاءتني غسق المشفى لتقوم بفحص عادي لكن تحاليلها كشفت لنا انها تتعرض عمدا لأخذ حبوب مانعة للحمل...و بعد فترة أخرى جاءتني هبه لنجد انها تتعرض للشيء نفسه منذ سنوات و بعلم طبيبتها)
شهقة قمر العالية كانت مسموعة في ظل هذا الخرس الذي لازمهم...تعرقت كفا سهر برعب فأمسكت جانبي جلبابها لتصرخ في أريج بحدة...
(و ما دخلي أنا في كل هذا؟!!)
اجابها مؤيد بصوته البارد برودة مرعبة...
(الطبيبة طبيبتك و أنتِ من رشحها لهبه يوم الاجهاض و قد أصريت عليها...لأنك كنت خائفة أن تذهب لأي مشفى فيعرفوا أنها تناولت حبوبا سببت لها تقلصات في الرحم مبكرة و إن عرفوا سيبلغون الشرطة و التي ستكشف أنك من اعطاها لها بعد تعاونك مع الطبيبة)
زاغت عينا سهر برعب و هي تناظر هذا الرجل الغريب...كيف يعرف؟!...لقد عرى حقيقة الماضي في ثوان معدودة و كأنه كان معهم...ارتعشت شفتاها قبل ان تنطق بصوت خاوٍ...
(أنت كاذب...لقد اتفقت معهم لتوقعوا بي)
قوس مؤيد شفته السفلية للأسفل باستهانة و قرر أن يلاعبها ليضغط على اعصابها فقال...
(أنا لا أعرفك لأوقع بك!...كما أن الطبيبة الآن في قبضة الشرطة بعدما اعترفت بجرمها و يمكن بعد لحظات ستأتي لتلقي القبض عليك)
صرخت سهر بهستيرية بينما تتراجع للخلف فتصطدم بصدر زوجها...
(كذب كل هذا كذب...أنا لم أفعل أي شيء)
اخرج مؤيد هاتفه من جيبه ببساطة يقول بينما يضعه فوق أذنه...
(لا بأس نطلب من الشرطة أن تواجها بعضكما و نعرف من فيكما الكاذبة!)
جفت حروفها من منبعها لتهمس برفض مرتعب...
(لا...لا تفعل)
تقدمت أريج منهم لتلقي الأوراق التي بيدها على الطاولة قائلة...
(هذه بعض من التحاليل الخاصة بغسق و هبه و التي تؤيد ما قيل)
اسرعت فاطمة لتأخذهم و تقلب فيهم فترفع عينيها لأخيها الكبير بصدمة تخبره بصحة ما يُقال...اغمض خالد عينيه يكبح وجع كبيرا...يتذكر أخاه و شوقه للأطفال...دموعه و أمنيته بأن يمنحه الله ولدا...صبره هو و زوجته و تحملهما ما ترميه سهر من كلمات موجعات...سهر!...هل كان خبيثا لهذه الدرجة كي يمنحه الله زوجة بهذا الخبث و قبح الروح...لكن الله يعلم كم يحب أخوته و يتقي الله في عائلته كلها...احتدت انفاسه بصورة سريعة ليفتح عينيه و يلتفت لها بغضب هادر فيحرق الخطوات الفاصلة بينهما ليقبض على حجابها الذي تلقيه بعشوائية فوق شعرها و يسحبها منه متحركا بها الى الباب...غير عابئا بصراخها المتوجع...بتجمع أخوته حوله و كلامهم المتوسل بألا يتهور...بنظرات ابنه الباكية و المرتعبة...لا يعبأ سوى بما يمر بخاطره و يصرخ به لسانه لها...
(ماذا فعلوا لك لتكرهيهم هكذا؟!...بماذا اخطأنا في حقك؟!...كنت لك زوجا صبورا كاظما غيظي من افعالك الشيطانية...و أهلي تحملوا منك ما لا يُطاق...أنتِ امرأة لا تستحق إلا أن تُهان...)
وصل بها الى باب الشقة فأوقفه وجود والدي غسق الشاحبين لثوان قبل أن يتخطاهما و ينزل السلم ممسكا برأس زوجته دون أن يقل غضبه للحظة...بينما غسق تجمدت مكانها و هي تناظر والديها بهلع و ملامحهما توحي بأنهما سمعا ما قيل!...لماذا و متى أتيا؟!...
بالأسفل...
فتح خالد بوابة البيت ليخرج زوجته منها و رغم ما يمر به من رغبة متوحشة في قتلها إلا أن قوله تعالى تردد في عقله "إمساكٌ بمعروفٍ أوْ تسريحٌ بإحسان"...تمالك وحشيته ليبعد كفه عن حجابها و يتمسك بكفها ببعض القسوة ثم يسحبها خلفه ترمقهما أعين الناس...توسلت اليه ببكاء بينما قدماها تنغرسا في الأرض لتعرقل حركتهما...
(خالد الناس ينظرون علي...أتهون عليك أم ابنك تفعل بها هذا؟!...خالد أنت تفضحني أمام الحي كله...الى أين ستأخذني يا أبا مازن؟!!)
توقف بها عند باب بيت بسيط و قبل أن يدق عليه نظر لها بندم من اختياره لها من البداية فقال...
(زواجي بك كان الخطأ في حد ذاته)
دق الباب بحدة ففتحه والدها بعد لحظات قليلة لتتسع عيناه بهلع من هيئة ابنته حتى اصابه قول خالد بالخزي...
(تغاضيت عن افعالها مرات و يشهد ربي أنني صبرت لأجل ابني قبل العشرة بيننا لكن ابنتك تمادت و تجرأت حتى وصلت لقتل النفس التي حرم الله...تحملت لزمن طويل أما الآن فلا أطيق ان اشاركها سريري...ابنتك طالق يا عم حسونة و حق أخي و زوجته سيأخذانه منها بالقانون)
لطمت سهر خديها بصراخ جعل الناس ينظرون اليها بفضول رهيب...ابتعد خالد عن البيت بخطوات اهتزت فخانته و كاد يقع ارضا...ليس سهلا أن يعرف كل هذا عن أم ابنه فمهما بلغ معرفته بغيرتها ممن حولها لم يتخيل أن تصل لهذا ابدا...توقف يلتقط انفاسه بصعوبة و يردد بعجز...
(استغفر الله العظيم...)
صوت صالح المسموع من عند بيتهم جعله يرفع بصره سريعا فيرى والدي غسق يخرجان من البيت بينما يأخذان معهما ابنتهما الرافضة لما يحدث...
(يا استاذ ثروت لا يصح ما تفعلاه!)
اقترب خالد سريعا منهم يتساءل بتوجس فيجيبه صالح الذي وقف في طريق أهل غسق يمنعهم عن الحركة...
(الأستاذ ثروت و حرمه يريدان أخذ الدكتورة معهما)
وقف خالد جوار أخيه يقول بجدية تامة...
(لا يصح أن تخرج الدكتورة من بيتها و زوجها ليس هنا!)
هتفت أمل فيهما بحدة جعلت الناس يولون ابصارهم عن سهر و يمركزونها عند غسق...فما عرفته بالأعلى ليس هينا ابدا!
(أي بيت تتحدث عنه؟!!...بيت يسيء لسمعة ابنتي و يخطط ليحرمها من الانجاب...ابتعدا عن طريقنا فلن اترك ابنتي لكم لأعود المرة القادمة و أجدها ميتة)
همهمت غسق برجاء لأمها التي قبضت على كفها و لا تتركه...
(أمي اتركِ يدي و دعينا نتحدث أولا...)
حدقتها أمل بحدة تهتف...
(اصمتي غسق اصمتي فكل هذا بسبب اختيارك لرجل لا يليق بك)
تقبض خالد على كفيه يلجم نفسه بصعوبة فليشهد الله وحده على روحه المتعبة ليقول بنبرة خشنة...
(لا يصح ما يُقال يا حاجة أم غسق...)
صرخت به أمل بينما تتخطاه هو و صالح مع ابنتها...
(و هل بأفعالكم هذه بابنتي تركتم مجالا لما يصح أو لا يصح...ابتعدا)
عاد صالح لينظر الى ثروت قائلا برجاء...
(يا استاذ ثروت كرم لا يعرف عن ما حصل و صدقني حينما يعود و يعرف لن يحصل خير ابدا)
تكلم ثروت بجفاء واضح فعند أذية ابنته الوحيدة يكفي تفهما و منح فرص للغير كي يثبت حسن نيته...
(ما تعرضت له ابنتي في بيتكم ليس سهلا على أمها...ابنتي ستعود الى بيت والدها حتى يأتي زوجها و نتكلم)
ابتعد عنهما متحركا الى بيته فنظر صالح لأخيه بقلة حيلة ردها اليه خالد بأسف على ما حدث كله...خروج أريج من بيتهم و زوجها خلفها جعلهما يتأهبان كليا...
(مؤيد يجب أن أذهب الى غسق...)
امسكها مؤيد من ذراعها يقول برفض...
(ليس الآن أريج...يوسف هاتفني و يجب أن نذهب لقسم الشرطة)
تقدم خالد منهما يسأل مؤيد بتماسك رغم ما يدور بداخله من نزاعات...
(هل تحتاج الشرطة الى اقوال أيًا منا؟)
رد عليه مؤيد بهدوء متفهم مشاعرهم المختلطة فحياتهم انقلبت في غمضة عين
(ستحتاج بالتأكيد لكن لا تهتم حاليا سوى بعائلتك يمكننا أن نؤجل الابلاغ عن زوجتك لبعض الوقت المهم أن الحقيقة ظهرت لكم)
طحن خالد ضروسه حتى صدر صوت احتكاكهم بينما يتطلع الى مؤيد الذي ركب سيارته مع زوجته ليذهبا من الحي...تحرك صالح الى البيت مهمها بكلمات غير مفهومة لكنه توقف حينما تمسك خالد بكفه قائلا
(لقد طلقتها...حق ابناءك سيعود يا صالح حتى لو تم حبس ام ابني)
ابتلع صالح ريقه بوجع على حاله و حال أخيه فهمس له بصوت مختنق...
(عائلتنا تحتاجنا يا خالد فلا يجب أن يخرج أبي من المشفى و يجدنا بهذا التشتت)
احتد صوت خالد حينما قال بقرار لا رجعة به...
(لن أعيدها الى عصمتي لو كانت أخر نساء الأرض هذا قراري النهائي...)
همهم صالح مفوضا أمرهم جميعا لله فلا يعرف من أين أو من أين تأتيهم المصائب...
(لله الأمر من قبل و من بعد...)
*******
عند منتصف الليل...
إن كان قد لجأ الناس الى بيوتهم يحتمون من البرد و يؤجلون حديثهم عما حدث في بيت المراكبي للصباح...فهنا ظل بيت المراكبي بمن فيه مستيقظا يحمل كل فرد بداخله هما يكفي ليحطم جبلا عاليا...قمر و زوجها...فاطمة و زوجها...صالح و هبه...خالد و ابنه...كل منهم اختار مكانا معينا و بقي به منذ ساعات...شاردا يفكر فيما حدث و هل هو الواقع أم مجرد وهم تشاركوه جميعا...فركت قمر كفيها معا بينما تقضم شفتيها بعنف و هي تهمهم...
(خربت بيت أخي بيدي يا وائل...أنا السبب فيما حدث)
ربت زوجها على كفيها ليوقف فركهما قائلا...
(لن ننكر أنك تسرعتِ فيما طلبته من زوجة كرم لكن ندعو الله أن يستطيع كرم أن يُفهم أهلها حقيقة الأمر...الله يهديها أم مازن من كان يظن أنها تفعل هذا بزوجتيّ أخويك!!)
(الله يلعنها في الدنيا و الآخرة...لا أعرف كيف سمعت كلامها و صدقت افتراءها على غسق!...كرم لن يسامحني يا وائل...أخي سأخسره بسبب هذه اللعينة)
هز زوجها رأسه بقلق من القادم فما حدث لن يمر مرور الكرام على سليمان و زوجته و المتضرر الثاني بعد صالح و هو كرم!...
رفع خالد رأسه التي وضعها بين كفيه اللذين يسندهما على ركبتيه بينما يجلس على سريره في غرفته المظلمة...دقق النظر عند الباب فلمح جسد ابنه الواقف هناك بعدما فتحه...مد كفيه اليه يقول بخفوت...
(تعال يا مازن لماذا تقف عندك؟)
هرول الصغير الى والده يرتمي في احضانه باكيا بينما يقول..
(هل أمي سيئة يا أبي؟!...هل قتلت ابناء عمي صالح و الخالة هبه؟!...الجميع يكرهها و أنت طردتها من البيت فهل تكرهونني مثلها؟!)
رفع لوالده وجهه متسائلا برعب...
(هل ستطردني مثلها يا أبي؟)
رفع خالد كفيه يحاوط وجه ابنه ناظرا في عينيه البريئتين قائلا بضعف...
(أنت قطعة من روح والدك يا مازن كيف أفرط بك يا ولدي...لا تفكر فيما حصل اليوم بني انه يخصنا نحن الكبار...أمك ستبقى أمك و عليك طاعتها مهما كانت تصرفاتها يا مازن)
ضم ابنه اليه يقبل رأسه عدة مرات...و عند مرة منهم انهدم جبل صبر خالد فسالت دموعه لتختلط بشعر ابنه فيهمهم بغصة مريرة...
(ذنبك في رقبتي يا بني فأنا من لم يختر لك أما صالحة)
كفكفت هبه دموعها التي لم تنضب للآن حينما دلف صالح عليها الغرفة...اعتدلت على سريرها تناظره بوجه متورم من البكاء حتى وصل اليها يجلس جوارها...لامس وجهها بكفه متسائلا بتضامن...
(حينما طلبتِ البقاء في بيت أهلك كان بسبب ما عرفته عن سهر أليس كذلك؟!)
اومأت له ببكاء لتقول بنيران لم تبرد...
(لم أتحمل البقاء معها تحت سقف واحد بعدما عرفت انها من قتلتهما...وددت لو أخنقها بيدي يا صالح...أن أجعلها تشعر بنفس الوجع الذي عشت فيه سنوات...لماذا فعلت بنا هذا؟!)
قرب رأسها من صدره ثم ربت على ظهرها هامسا بألم...
(حسبي الله و نعم الوكيل...)
صوت فتح باب الشقة وصلهما لكن ما جعلهما يتأهبان هو صوت كرم...
(السلام عليكم...هل ما زلتم هنا جميعا؟!)
بالخارج...
تطلع في وجوههم المرهقة و التي تبدلت عن فرحتهم باستيقاظ والدهم قبل ساعات...أوجس خيفة مما يبوحون به بأعينهم دون لسانهم...فعقد ما بين حاجبيه حينما لم يجدها بينهم ليدفعه غيابها الى التساؤل بخوف انبأه به قلبه...
(أين غسق؟!...)
انتفضت قمر في جلستها على سفرة الطعام بجوار الجميع حينما ضرب كرم الطاولة ثلاث مرات بعنف سمعوا معه طقطقة عظام كفه ليهدر بصوت محتد غاضب بعدما أخبروه ما حدث...
(لماذا يا قمر؟!!!...ألا يكفي ما فعلته أم مازن بهما و نحن لا نعلم؟!...و رغم هذا صمتتا و تحملتا حتى يظهر حقهما!)
تكلمت قمر بندم شديد...
(و الله يا كرم ما قالته لي سهر لا يُسكت عليه ابدا...انه يخص شرفك و سمعتك)
(شرفي و سمعتي هما غسق يا قمر...غسق لا تحتاج لبرهان كي تثبت ...يا ربي العظيم كيف طلبتي منها أن تقسم على كتاب الله لأجل هذا؟!!!...لا أصدق)
صوت كرم الهادر حمل الذهول في طياته...كيف مرت غسق بكل هذا حقا؟!...انه يحمد الله أن والدته بقيت الليلة مع والده و تراجعت عن رغبتها في جلب اشياء من البيت...ماذا كان سيحدث لو أتت و عرفت ما اصابهم...خالد طلق زوجته التي قتلت ابناء صالح و عطلت حمل زوجته لسنوات كما فعلت في غسق بل و افترت على شرفها...رغبة جنونية تدفعه لأن يحطم وجه سهر نكالا لما فعلته بها...صوت صالح وصله فأخرجه من جنون أفكاره
(زوجتك رفضت أن تترك البيت لكن أهلها أخذوها رغما عنها)
مسح كرم فوق وجهه بحدة يكبح غضبه و يلجم همجيته...صدح صوت فاطمة الحانق بينما تتمسك ببطنها و قد اشتدت وهنا بعدما مرت بأحداث يوم مكتظ بالمشاكل
(رد فعل أهلها متوقع و حقهم أن يخافوا على ابنتهم...بالله عليكم لو مررت أنا أو قمر بما مرت به غسق ستفعلون أكثر مما فعلا والداها!!)
حدقتاها قمر بتوبيخ على ما قالته رغم يقينها انه الحق...لم يتحمل كرم الصبر أكثر فتوجه الى باب الشقة يفتحه حتى سأله خالد بترقب...
(الى أين في هذه الساعة؟!)
جاوبه كرم دون ان يلتفت لهم لكن تحفز جسده و تشنج عضلاته يخبرانهم أي غضب يلجم هو...
(لأعيد زوجتي الى بيتها...)
شقة ثروت...غرفة غسق
(ألم تأكلي شيئا بعد؟!)
نظرت أمل الى صينية الطعام التي جلبتها لابنتها قبل ساعة فوجدت الشطائر كما هي لم تمسسها...تحدثت غسق برجاء عل تقتنع والدتها
(أمي أرجوك دعيني أعود لبيت زوجي و صدقيني حقي سآخذه منها قانونيا)
طار كل التعقل الذي تحلت به أمل منذ جلبت ابنتها الى هنا لتصرخ بها بتعنيف...
(أي غبية أنتِ يا غسق لتظني أنني سأعيدك الى هذا البيت الذي طعن ساكنيه في سمعتك؟!!...انهم دبروا ليمنعوا حملك يا ابنتي ألا يخيفك كل هذا منهم)
زفرت غسق بخفوت تقول بتعقل...
(أمي لماذا تجمعينهم في هذا الجرم؟!...من فعلت هذا هي سهر و كنت اعرف عن هذا منذ فترة لكنني صبرت حتى تصل أريج لدليل ادانتها...و الآن اصبح الأمر بيد الشرطة!)
جزت والدتها على ضروسها بحدة لتهتف بعدها بعدم فهم أي عقل باتت تملك ابنتها...
(و ماذا بشأن اتهامهم لك؟!...لقد طلبوا منك أن تقسمي انك دخلتي بيتهم كفتاة يا غسق!...هل تفهمين معنى مطلبهم؟!...هؤلاء الذين لم يحلموا يوما أن توافقي على الزواج من ابنهم!)
بهتت ملامح غسق أمام والدتها و قد صمتت تاركة لجرح كرامتها و وجع ذكراها بأن يعودا...لقد هزها حديث سليمان و زعزع دواخلها لتُختم بمعرفة سهر بالأمر بل و تلفيق تهمة لها بناءً على معلوماتها الناقصة بالتأكيد...اسبلت اهدابها بسكون تفكر جديا فيما ستفعل...كانت تحتاج أريج لترسو على بر بعد حديث سليمان أما الآن فهي تعرف حقا ماذا ستفعل!...رفعت وجهها بسرعة الى باب غرفتها حينما سمعت صوت الطرقات على باب شقتهم...خطوات والدها كانت مسموعة الى الباب حتى فتحه فوصلها صوت كرم...وقفت سريعا من مجلسها لتتجه الى الخارج لكن أمها وقفت لها بالمرصاد و قد أمرتها أن تبقى و لا تخرج...و حينما رفضت سبقتها أمل للخارج لتغلق عليها الغرفة بالمفتاح!...إن كانت مرآة الحب عمياء كما يقال فعلى الأم أن تحضر مرآة جديدة لتري ابنتها أي واقع تعيش و أي حب يستحق ان تضحي لأجله...
(السلام عليكم يا استاذ ثروت...)
صوت كرم المتحفز كحال وقفته عند الباب لم تزيل من جفاء ثروت و لو قليلا لكنه أجابه بترحيب ظاهري...
(و عليكم السلام تفضل يا كرم)
ناظره كرم بضيق ليقول بصوت أجش مختصر...
(لست هنا كضيف قد جئت لآخذ زوجتي)
صوت أمل الحاد وصله قبل أن تظهر هي أمامه...
(الى أين تريد أخذها؟!)
وقف أمام حماته يتحدث بصرامة لا تقبل النقاش...
(الى بيت زوجها...)
تخصرت امل في وقفتها تناظره بغضب فقالت...
(بيتك لن تخطوه ابنتي مجددا...و قبل ان تتشدق بلقب زوج افعل ما يمليه عليك اللقب...فالأهل يمنحون بناتهم لرجل يحفظهن و يحميهن لا أن يجعلهن عرضة للأذى)
زفر كرم بخفوت يهدأ من غضبه المتصاعد فيرد عليها باحترام رغم سوء معاملتها...
(حق زوجتي سأعيده لها كاملا مكملا يا خالة)
تفحصته أمل بقهر على ابنتها لتهدر فيه بما تحمله في قلبها...
(أنت لا تستحق ابنتي ابدا...وافقت عليك رغم الاختلاف بينكما و وقفت في وجهنا لأجلك و أنت و اهلك تعاملونها بهذه الطريقة هل تعتقد أنها بلا أهل يقفون في ظهرها؟!)
احتدت نظرة عينيه ليقول بعدها برفض قاطع لكل حرف نطقته...
(أدامكما الله لها يا خالة لكن زوجتي مسؤولة مني أنا)
هدرت به أمل بغضب منفعل جعل ثروت يكبلها معترفا بأن كرم تحمل منها كلمات لا تحتمل حتى صدر صوت غسق من غرفتها بينما تضرب الباب بقوة...
(أمي افتحي هذا الباب ارجوك...أمي)
ضيق كرم عينيه بصدمة لينطق بذهول...
(هل تحبسونها؟!!)
كاد يدخل محملا بزوابع غضبه ليكسر الباب و يأخذها معه لكن أمل منعت دخوله بصوتها و جسدها حتى صرخت غسق برجاء...
(أمي توقفي ارجوك كرم لا ذنب له...أمي أنتِ تؤذيني هكذا!...كرم أرجوك أرحل الآن و غدا نتحدث...أرجوك كرم أمي متألمة لأجلي فلا تعاندها)
تكورت قبضتاه بعنف يعتصرهما بقسوة قائلا بوعد...
(لن أرحل من هنا دونك...)
توسلت بصوتها الضعيف...
(لأجلي كرم ارحل الآن...أرجوك)
نظر كرم لحماته و صبره يكاد ينفد فيقول بمهادنة...
(لأجلك غسق سأفعل لكن و حق ربي سأعيدك الي مهما كلف الأمر)
ابعدت غسق رأسها عن الباب بعدما رحل لتتحرك الى مكتبها و تفتح درجه...تناظر تلك الورقة النقدية التي منحها لها من قبل ثم تلتقطها لتتفحصها و كأنها تتفحص ملامحه...ضمتها الى صدرها لتجلس ارضا تستند على مكتبها فتنفرط دمعاتها بصمت و يشتد تمسكها بالورقة...اغمضت عينيها تاركة الفرصة لدمعات جديدات و كلام سليمان...اتهام سهر...طلب قمر...ملمس المصحف تحت اصابعها...كل شيء يتردد في عقلها فيزيد من بكائها...ما كانت تظن يوما أن حياتها ستكون مخيفة لهذه الدرجة...لكنها لن تتنازل عن قرارها الذي اتضح بعد ليلة مشحونة من الترقب و التفكير...لانت قبضتها على الورقة المالية فرفعتها الى وجهها تناظرها بدموعها و تهمس...
(لا أريد أن يكلفك الأمر كثيرا يا كرم...لا أريد أن يكلفك بقائي معك نفسك)

لقياك لي المأوى(مكتملة)حيث تعيش القصص. اكتشف الآن