الفصل الثاني والعشرون ج٢

9.7K 271 2
                                    

الفصل الثاني و العشرون ج2

شاردا و دخان سيجارته يتطاير أمامه بكثافة جعلت سماء الصباح الصافية تتعكر...منذ الأمس و هو هنا جالسا أمام هذا الشاطئ البعيد من الساحل...أفكاره تصارعه و يصارعها فتهزمه مرات و يكبلها أخر...ماذا كسب و ماذا خسر سؤال يراوده منذ خرج من السجن...خرج لينتقم فخطط و دبر و ختمها بتنفيذ كان يعتقد سيثلج قلبه و يريحه...لكنه أكتشف ان بئس ما دبر!!...لا مكسب عاد عليه و لا راحة عرفت الطريق اليه...دمر حياة فتاتين كل ذنبهما انهما وقعتا في طريق أوله هو و أخره كرم فدهسهما بقسوة ليمر عليهما اليه...و يا ليته وصل يا ليت!!
زفر دخان السيجارة مجددا يتحدث مع نفسه بصوت مسموع فلا مستقبل كلماته سوى البحر و الفضاء حوله...
(ماذا بعد يا ابن السمري؟!...لا انتقام دبرت له سنوات طوال نفع و لا هذه حياة التي تحياها!!...هل ستصمت و تشاهد كرم كعمرك كله أم ستتدخل لتقلب الطاولة فوق رأسه)
اسودت عيناه بكره لكل شيء في حياته فاعتصر سيجارته داخل كفه يقول...
(الأولى لم تكن في باله و تستر على الثانية...أي خطوة يجب أن اتخذ الآن أفشي أمر الدكتورة غير عابئا بالشرطة أم...أفشي أمر هدير)
القى السيجارة بعدما تركت أثر حرقا في راحته ليمسح بكفيه فوق رأسه بتعب...أيكشف سر هدير؟!...و لكن ألم تكن هذه نيته من البداية لماذا يتردد الآن؟!...و إن انكشف الأمر ستجر قدمه معها و تقوم الدنيا و لن تقعد...تبا لقد رتب اوراقه ثمان سنوات مرت عليه عهود و الآن اصبحت اوراقه سرابا...سب سبة نابية يركل حصى الشاطئ بقدمه يصرخ بتساؤل فقد معه ما تبقى من عقله...
(هل كل ما اتمناه لا احصّله؟!...لماذا خُلقت أنا لماذا؟!!!)
ظل في حالة هيجان فلت فيها عقال لسانه فقال ما لم يباح قوله...يسأل و يلعن و هو الذي أبدا لم يتدبر...أيحسب أنه خُلق سدى فسبحان رب السموات السبع ما خلق هذا باطلا فليتفكر...ما ناداه عاصيا أو عابدا إلا بأمره مختاران بميزان عدله...أحدهما شاكرا راضيا و الآخر أراد الله أن يحرره من ظلمته...فقط فليتدبر!!
أوقف وصلة جنونه صوت هاتفه الذي صدح مرارا...توقف ينهت من فرط الانفعال يخرجه من جيب بنطاله لتتجمد عيناه على اسمها...زفر بحدة غاضبة ينوي عدم الرد لكنه رد...وضع الهاتف فوق اذنه بداخله جزء صغير للغاية يتساءل ماذا فعلت على مدار شهر أو أكثر منذ قابلته اخر مرة...هل خلصت نفسها من حملها أم لا...صوتها الباكي جعله يكبح رغبة عارمة في غلق الخط في وجهها لكنه ايضا لم يغلق...
(داغر أرجوك أتوسل لخالقك لا تغلق الخط...أحتاجك داغر و لا أعرف ماذا افعل...أموت كل يوم من رعبي و خوفي)
صوته خرج قاسيا و كأنه تشبث بقسوته ليتحدث...
(هل سنعود لوجع الرأس هذا؟!...قلت لك كانت نزوة لكلينا و شكرا لماذا تغلظين عقلك؟!)
رجاءها المستميت يصله محترقا في بكاء العار و الخوف...
(أرجوك داغر خمس دقائق فقط هم ما أحتاجه...أرجوك تعال أنا في شقتنا لا ترفض بالله عليك)
ابعد الهاتف عن اذنه يحارب ما يمر كالصواعق في عقله الآن...نفسه انقسمت نصفين الاول منهما يزين له طريقا اراده بأن يهاتف اهلها الآن و يفضحها فقد وطأت بقدمها شقته...و الثاني يكبله بقوة اول مرة يشعرها بألا يفعل...حذاري داغر حذاري أن تفعل!
رفع الهاتف مجددا يقول بصوت جامد لا يبرز نيته الحقيقية...هل سيتبع شيطانه أم بقايا ضمير يلفظ انفاسه الأخيرة تحت رماد ذنوبه؟!!
(سآتي لا تتحركي من مكانك...)
بعد نصف ساعة...
بأيد ترتعش رفعت ستار نافذة الصالة تنظر في الشارع الخالي إلا من عدد قليل من الناس في مثل هذا الوقت الباكر...لقد استغلت غفوة والدتها لتخرج و تأتي اليه...تستنجد به من مصيبة لم تجد لها حل و تركها بداخلها وحيدة...تأخره في المجيء أرعبها لكنها باتت تتوقع منه أي شيء فبعد تخليه عنها ايقنت أنه داغر الذي لم يتغير...انزلت الستار تتحرك للداخل تلف حول نفسها بعقل متعب و أعين باكية دما بدل دموعها...تهمس بتوسل معترفة بذنبها راجية رحمته التي لا تنضب مرتعبة من أن يكون قد أغلق بابه في وجهها...
(يا رب أرجوك لا تفضح امري...يا رب لأجل أهلي يا رب أتوسل إليك)
سمعت صوت قفل الباب فهرولت اليه حينما لمحته يدخل...و قبل أن يفعل أي شيء وقفت قبالته تتمسك بيده و تنحني تقبلها ببكاء مرير و رجاء يذيب الحجر...
(داغر أرجوك لا تتخلى عني أرجوك...اعقد قرانك علي و طلقني بعدها بالله عليك لا تتركني بفضيحتي هكذا...أعرف انني لا شيء بالنسبة لك لكن لأجل ابنك داغر لا توصمنا بهذا العار)
لا ينكر انه صُعق من استقبالها هذا...ازاحها بعيدا عنه يغلق الباب و يصرخ بها بصوت مكتوم...
(هل جننتِ؟!!!...ماذا لو سمع صوتك أحد الجيران ها؟!)
صرخت بصياح مذبوح أمامه...
(لا يهمني داغر لم يعد يهمني...أنا في مصيبة كبيرة و إن لم يسمع عنها الناس الآن سيرونها فيما بعد حينما تكبر بطني!)
قبض على ذراعها بقسوة يدفعها للداخل قائلا بتهديد...في الواقع يهدد ما يتزحزح بداخله...يهدد نفسه بألا يتهاون في انتقامه...
(اخرسي و اصمتي و إلا رميتك في الخارج دون سؤال..)
كتمت حروفها بصعوبة بينما شهقاتها تخرج متقطعة بنظرة متألمة...اقترب منها يعتصر ذراعها أكثر و يهمس...
(ألم أقل لك تصرفي في هذا الحمل و ان ما بيننا انتهى لماذا ارى وجهك مجددا؟!)
انهمرت دموعها برجاء تهمس...
(تزوجني أمام الناس لتحفظ سمعتي و شرفي داغر)
ترك ذراعها بحدة يوليها ظهره و يتحكم شيطانه فيه بقسوة و تجبر...
(لا دخل لي بك هدير فلم اضربك على يدك من البداية)
اهتاجت خلفه تجذبه من قميصه ليلتف مع جذبها و تصرخ في وجهه...
(بل اجبرتني داغر و أنت تعرف هذا جيدا...)
بكل حقارة شعرتها في حروفه سألها...
(و إن قلنا نعم حصل اول مرة...هل اجبرتك أنا في الثانية و الثالثة؟!...هل اجبرتك بأن تمنحيني نفسك بطيب خاطر؟!...هل اجبرتك بأن تذوبي بين ذراعيّ هل أعد لك أكثر؟!..)
أصفر وجهها بجزع مريب و هي تسمعه...ماذا فعلت بنفسها مع رجل تلبسه شيطان؟!!!...همهمت بشفاه جفت من هول ما تمر به...
(كنت زوجتك...)
ضحك باستهزاء يقول...
(و هل يُسمى هذا زواج!)
رفعت يديها تغطي فمها تلجم شهقتها العالية...فقدت النطق و الشعور...فقدت نفسها هنا...كل شيء وضع في عداد المفقودين معه...
(أخرجي من هنا هدير و لا تفكري بأن تأتي الي مجددا...و بشأن حملك تخلصي منه أبقيه لا يفرق معي)
انزاحا كفاها من فوق فمها تناظره بعيني ميتتين...تحركت ببطء مميت تجاهه لكنها توقفت قبل أن تتخطاه فهمست بحرقة قلبها و رعبها الذي يكبر كحال نطفته في رحمها...
(حسبي الله و نعم الوكيل...فليذيقك الله ما أذقته لي و يحرق قلبك على كل عزيز في حياتك)
ابتعدت تكتم شهقاتها بصعوبة و تخرج من الشقة...بينما هو تسمر في مكانه بصمت مطبق تشقق تدريجيا في صرخة غاضبة و ركلة قاسية أطاح بها كرسي السفرة...
بعد ساعة...
بعدما قضت وقتا طويلا في الشارع لتهدأ ملامح وجهها و ينمحي أثر البكاء عادت لبيتها...فتحت باب الشقة فأفزعتها أمها التي طلت من خلفه بلهفة متوجسة...
(هدير أين كنتي؟!...هدير...)
قبضت أمها على وجهها بصدمة تتفحصها بينما تسأل...
(هل كنتي تبكين؟!...ماذا حدث يا ابنتي؟!)
قضمت شفتيها تهمس بصعوبة و بصوت مختنق...
(لا...لا شيء يحدث)
احتدت نظرة عين والدتها لتفلت وجهها من بين كفيها و تتمسك بذراعيها تقبض عليهما متسائلة بخوف...
(كيف لا شيء؟!... و تغيرك الذي ألاحظه من فترة ماذا بشأنه...بنت هل هناك من يتعرض لك؟!...هل تعرفتي على أحدهم؟!...أريحي قلبي هدير!)
افلتت نفسها من تحت قبضة والدتها تسرع الخطى الى غرفتها بعدما قالت بصوت واهٍ....
(لا يوجد أحد أمي...لا شيء مطلقا)
تابعتها أمها حتى ولجت فتصاعدت مخاوفها لمرتبة الشك...تنفست برعب من حال ابنتها الذي تبدل لتهمس بصوت مرتعش...
(ليس علي يا ابنة بطني...يجب أن يعرف الحاج سليمان عن كل هذا فهو المسؤول عنا...استرنا يا رب)

لقياك لي المأوى(مكتملة)حيث تعيش القصص. اكتشف الآن