الفصل الثامن والعشرون

12.7K 772 57
                                    


عذرًا على التأخير


الفصل الثامن والعشرون

كان من العبث مقاومة ما أصبح مفروضًا عليك بشكلٍ قسري، خاصة مع هدم كافة الثوابت التي ظننت يومًا أنها جزءًا من كينونتك، في لحظة تم محو ما اعتدت عليه، وأصبحت قناعاتي كالأنقاض المتكومة فوق بعضها البعض، لا جدوى منها مُطلقًا، لهذا تخليت عن صمودي المزعزع، وأبديت موافقتي العمياء على فعل ما يُخالف الإنسانية والقانون. القانون، ترددت الكلمة في فضاءات عقلي وإحساس السخرية متملك مني، منذ متى ونحن نفعل ما ألزمنا به القانون البشري؟ نحن أبعد ما يكون عن تطبيقه، بل إننا أجدنا الانحراف عن طريق الصواب، وارتكاب كل ما هو مخالف. لم أنظر تجاه "فيجو"؛ لكني شعرت به عبر صمته الغريب مصدومًا من قبولي المريب. سألني بشكل مراوغ ليتأكد مما سمع:

-هل ترغبين في التدريب الآن؟

رفعت عيني إليه، وأجبته سائلة إياه بزفيرٍ ثقيل:

-في هذا الوقت المتأخر؟

جاء رده ساخرًا إلى حدٍ ما، وهذه النظرة المدققة تحتل حدقتيه:

-إنها ليست بعملية جراحية!

لم يكن الجو ملائمًا للمزاح، فحياة أحدهم على المحك، أبعدتُ وجهي عن نظراته النافذة التي تحاصرني، ودمدمت بإرهاقٍ وأنا أنهض من مكاني:

-ربما في الصباح الباكر.

وكأنه قرأ ما يدور في عقلي من صراعٍ فكري، فهز رأسه معقبًا وهو يتنحى للجانب ليجعلني أمر من جواره:

-حسنًا، لن نستغرق وقتًا.

كدت أفقد اهتمامي بما يقول لولا أن تابع من ورائي موضحًا، وبما جعلني اتسمر بارتجافٍ في مكاني:

-فتنفيذ عملية الاغتيال سيكون مساء غد.

التفتُ كليًا ناحيته، وسألته بصدمة جلية على تعابيري الذاهلة:

-ماذا؟ بهذه السرعة؟

شبح ابتسامة ماكرة تجلى على زاوية فمه وهو يخبرني:

-بالطبع، ولِما التأجيل إن كنتِ مستعدة لإتمامها؟!

ضغطت على أسناني هامسة في تبرمٍ يشوبه الاستهجان:

-تبًا.

رأيته يتحرك صوب باب الغرفة استعدادًا لمغادرته، أدار رأسه تجاهي ليقول بهدوءٍ:

-سأعلم أبي بالأخبار السارة.

غمغمت في جنبات نفسي بتهكمٍ مرير:

-ويا لها من أخبار!

فور ذهابه، انهرت جالسة على طرف الفراش، واضعة كلتا يدي أعلى رأسي، لا أصدق حقًا أني على وشك التورط في جريمة قتل شنيعة، وإن كانت بأيسر الطرق؛ لكنها في النهاية جريمة، أنا التي أخشى رؤية الدماء النازفة أسعى الآن عن عمدٍ لإزهاق الأرواح؟!

غير قابل للحب ©️ كاملة - مافياحيث تعيش القصص. اكتشف الآن