الفصل الثامن عشر
من المعتاد في الأعراس الإيطـــالية إقامة بعض التقاليد الشائعة، قبل وأثناء مراسم الزفــاف، لإضفاء أجواء من الحماسة والتشويق على العروسين، بالإضافة لإمتاع الحضور، مثل الابتعاد عن ارتداء اللون الأبيض حتى لا يكون نذير شؤم، عدم وضع الحُلي الذهبية، ووضع بعض العراقيل للعريس خلال اصطحابه لعروسه واختبار فطنته وجَلده؛ لكن ما عايشته في أهم ليلة حلمت بها، كان على النقيض كليًا، فبدا الحفل برمته فاترًا، خاليًا من الإثارة، ومملًا لأبعد الحدود، وقتئذ أدركتُ أني رسوت على شط نهاية مرحلة من حياتي، وبدأت أخرى مجهولة، مليئة بكل ما قد يكون صادمًا، ومؤلمًا، بمجرد إعلان القس لزواجنا.
تصاعد ضيقي، وانتشر، بعدما أصبحت بمفردي في لحظة، حيث انشغل "فيجو" بمن جاء لمباركته، واضطررت –حفظًا لماء الوجه- للتحرك بثوبي الثقيل وطرحتي الطويلة بضعة خطواتٍ ناحية الوصيفات، كأنما الخجل قد أمسك بي؛ لكن في حقيقة الأمر شعرت بالوحدة والإقصاء. لم تكن قبلته كالشظية التي تترك أثرها على الشفاه، بل بدت أقرب إلى واجب مطلوب أدائه تجنبًا للتوبيخ. تنهدت مليًا، ورحتُ أتأمل المحيط من حولي مستشعرة بمزيدٍ من الإحباط يتسرب إلى داخلي.
ورغم أن المظهر العام يوحي بأن الحضور مسرور، إلا أني شعرت في أعماقي أن فرحتهم زائفة، مخبأة خلف هذه الابتسامات العريضة، والنظرات الوهاجة، فافتقرت لبهجة العروس التلقائية، وافتقدتُ للهفة والشغف، فقط وددتُ لو أبقيتُ ستر وجهي مسترسلًا لأخفي سخطي ورائه. استدرتُ برأسي للجانب مرة ثانية، لمحت "فيجو" وقد ابتعد بضعة خطواتٍ عني ليتلقى التهنئات من المتواجدين، وهم كُثر، عاودت التحديق أمامي فوجدت "آن" تقترب مني وسحنتها عابسة نسبيًا، ابتسمت لها في رقة، وسألتها في روتينية وأنا أفرد طرحتي:
-ما رأيك؟
أجابت بصراحةٍ مزعجة:
-بشع.
هتفت في دهشةٍ مستنكرة:
-ماذا؟
أضافت بمزيدٍ من الصراحة المغلفة بالوجع وهي تشير بعينيها:
-ألا تري ما حولك؟ إنه مقيت، يصيب بالغثيان...
جريتُ بنظراتي على الحضور، كنت كمن أراهم وجوهًا مظلمة بلا أقنعة، مجرد دُمي يتم تحريكها بالخيوط وفق أهواء زعيمهم، للغرابة لم يقترب أحد مني! الغالبية التفت حول "فيجو"، تقدم له فروض الطاعة والولاء، لا التهنئة والمباركات. انتبهت مجددًا لشقيقتي وهي تكمل في أسى:
-أنا انتظر انتهاء هذه المسرحية الهزلية لأنصرف.
كنت أشاركها نفس الإحساس، وإن لم أجرؤ على الإفصــاح عن ذلك علنًا مثلها، ضممتُ شفتاي معًا بعد تنهيدة بطيئة، والتفتُ ناظرة في اتجاه والدتي، لأقول بعدها:
أنت تقرأ
غير قابل للحب ©️ كاملة - مافيا
Romanceلم تتوقف حروب الشوارع يومًا بين أقوى المنظمات لفرض السيطرة على أكثر المناطق ثراءً وقوة في "شيكاغو"، وخلال ذلك الصراع الإجرامي كان كل شيء مباح؛ القتل، غسيل الأموال، الدعارة، التجارة غير الشرعية، وغير ذلك من الأمور المشبوهة. عائلتان فقط تمكنتا من البق...