الفصل الثالث والعشرون

14.2K 790 68
                                    


الفصل الثالث والعشرون

كنت أقرب إلى قطعة أثاث متروكة بإهمالٍ في منزلٍ باهظ الثمن، اشتراها أصحابه للتفاخر، وتركوها بعد أن تلاشت الرغبة في انتقائها، كم أبغض هذا الشعور المقيت بالتجاهل والإنكار! مضت ثلاثة ليالٍ وأنا لا أزال أمكث بمفردي، الخادمة تلازمني نهارًا، ومع هبوط الليل أبقى وحيدة، أحادث الفراغ، إلى أن أغفو من إحساسي العجيب بالتعب والإرهاق رغم أني لا أفعل ما يستدعي هذا الشعور. المريب في الأمر أن معظم الوقت كنت أبدو كسلى، يغلبني النعاس، فاقدة للنشاط، على عكس طبيعتي الحماسية، وكأن أحدهم يضع لي مثبطًا لأصبح هكذا، ولا استبعد حدوث ذلك! من أجل تحجيم غضبي من حبسي هكذا والسيطرة على نوبات هياجي.

في اليوم الرابع تحديدًا قررت العزوف عن تناول الطعام أو الشراب، لأتأكد من شكوكي بهذا الشأن، أريد أن أكون في كامل وعيي وطاقتي، فقد احتاج إليها إن حدثت المواجهة المتوقعة، اندهشت من إلحاح الخادمة المستريب وهي تعاود تكرار الأمر علي كل نصف ساعة:

-سيدتي، ألن تتناولي الطعام؟

بفتورٍ ظاهر على محياي أخبرتها:

-لا أريد.

أصرت على طلبها قائلة بتهذيبٍ:

-ولكن، إنها أصنافك المفضلة، لقد أعددتها خصيصًا لأجل إسعادك.

صحتُ في عصبيةٍ:

-قلتُ لكِ لا أريد، هيا اذهبي.

سألتني في حذرٍ:

-هل أحضر لك شرابًا؟

هدرت بها:

-لا، ألا تسمعي بوضوح؟ اذهبي!

لم تجد بدًا من الانسحاب، وقالت في طاعة:

-حسنًا.

قررت مراقبتها عن كثبٍ، دون أن تنتبه لي، لأكشف ما تفعله خلسة، صحَّت شكوكي عندما سمعتها تهاتف أحدهم في خفوتٍ وهي تاركة لباب الحمام موارب قليلًا:

-سيدي، إنها لا تريد، ماذا أفعل معها؟

صمتت للحظات، لتتابع بعدها:

-كما تأمر، سأحاول من جديد.

حين استدارت لتخرج، تفاجأت بي في انتظارها، ظهر التلبك على محياها، وسألتني بربكةٍ:

-أتريدين شيئًا سيدتي؟

أمرتها في صوتٍ صارم، والشرر يتطاير من عيني:

-اطلبي رئيسك فورًا!

حاولت التغطية على كشف أمرها، فأسرعت بتلفيق كذبة غير مرتبة:

-ولكن، أنا كنت أتحدث مع آ...

قاطعتها بصوتي الهادر وأنا أشير بإصبعي محذرة:

غير قابل للحب ©️ كاملة - مافياحيث تعيش القصص. اكتشف الآن