الفصل التاسع عشر

12.7K 796 58
                                    


الفصل التاسع عشر

من قــال أن الحياة وسط صائدي الأرواح هانئة هنية؟ مجرد التواجد في محيط هؤلاء القســاة يعني هلاكك من كافة النواحي النفسية والذهنية والبدنية. تدمرتُ ذاتيًا بعد أن فجَّر "مكسيم" قنبلته الأخيرة في وجهي، ليهدم ما اعتبرتها مجازًا سعادتي الواهية، وسحق نفسي بين رحى الغضب والرغبة في الثأر، خاصة عندما التبست علي الأمور، وأصبحت الحقائق منقوصة مشوهة، فلم أتبين الخطأ من الصواب. التعبير المرسوم على ملامحي آنئذ كان كفيلًا بإظهار حقدي الكامل وعداوتي الجمَّة تجــاه كل فردٍ ينتمي لهذه العائـــلة اللعــينة الملقبة بـ "ســانتوس".

تفشت البرودة في أطرافي، وسحبت سريعًا نحو بشرتي، فاختفى خجل العروس، وحل محله شحوب الموتى، متذكرة حديث والدتي عن تفاصيل مقتــل أبي الشنيعة، أمن المعقول أن يقف "فيجو" وراء اغتيـــاله وهو لا يزال صغيرًا؟ أفقد قلبه الرحمة منذ نعومة أظافره ليقدم على مثل هذه الجرائر الفظيعة؟ فقدتُ قدرتي على التمييز، تصارعت الأفكار والذكريات في رأسي، فأحدثت صدعًا عميقًا. رحتُ اتنقل بين الرقصة والأخرى في أذرع الرجــال دون إدراكٍ، أتمايل بلا تركيز تاركة من معي يتولى القيادة والتوجيه، لاحظت في حالة الصدمة المسيطرة علي بأنه لم يتجاوز أحدهم المسموح في التقبيل مثلما أطلعني "مكسيم" ممازحًا في وقتٍ سابق، كان الرجــال ينحنون في توقيرٍ عجيب لشخصي، بعد تقبيل يدي، لأذهب مع آخر في رقصة جديدة، دون أن يتجرأ أحدهم على تخطي ذلك، ومع ذلك لم أكترث، فالكارثة أكبر من مجرد بضعة قبلات سخيفة لاستثارة غيرة قاتــل قد سبق له الزواج بغيري! ظل عقلي يتساءل في لومٍ شديد:

-كيف ذلك؟ كيف أطعته ووافقت؟ كيف انخدعت ووقعت في فخ الزواج؟

أحسستُ بثقلٍ يجثم على صدري، بضبابٍ يخيم على تفكيري، بعجزي عن التحمل أو المواصلة. اختنقت، وغص كلي بهذا الشعور المهلك، وددتُ لو تركت كل شيء خلفي، وركضت فرارًا من هذا الجحيــم الممتد، وإن تبع ذلك هلاكي نهائيًا. وسط هذا التخبط والالتفاف والدوران والشرود استنشق أنفي رائحة عطرٍ أعرفها جيدًا، فجعلتني استفيق نسبيًا مما خامرته من تيه وزيغ، نظرت أمامي فوجدتني قد أصبحتُ بين ذراعي "فيجو"، حينئذ تصلبتُ، وانتفضتُ، وأصابني اشمئزاز عـــارم منه، سيطر علي البغض والنفور، تقلص كتفاي، واضطربت معدتي، طالعته بغير حبٍ استطاع أن يقرأه بوضوحٍ في نظراتي إليه، كما أني لم أطق لمساته، ولم أقدر على مجاراته في رقصته المتمهلة.

وجدتني أصده بخشونةٍ، محاولة الابتعاد عنه، لم يحلني من الطوق الذي جعله حول خصري، وأبقاني حبيسة ذراعيه، مستندة بقبضتي على صدره، حدجته بنظرة نارية لم يدعها تمر هكذا، وسألني مندهشًا، وعلامات الحيرة تتقافز في وجهه:

-ما الأمر؟

صحت به بصوتٍ كان أقرب للصراخ، وتعابيري تؤكد على نفوري الصريح منه:

غير قابل للحب ©️ كاملة - مافياحيث تعيش القصص. اكتشف الآن