الفصل السادس عشر

13.7K 806 92
                                    


الفصل السادس عشر

على ما يبدو كان للحديث المستفيض مع "صوفيا" تأثيره الأكبر في تحفيز ما تم دفنه في أعماق نفوسنا، فاستعادت مداركي ما طوته السنوات في غيابات عقلي، لأعايش لحظاتٍ غابرة من طفولتي، خلال نوبة من الأحلام الغريبة المتداخلة، ما أذكره بوضوحٍ من تفاصيلٍ، هو أني كنتُ صغيرة السن، أرتدي نفس الثوب المنتفخ في يوم ميلادي؛ لكني بعقلي اليوم، اندهشتُ لقدرتي على تذكر لهوي في حديقة الفيلا الواسعة، كنتُ أعشق اللعب في بيت الدمي، كان مضاهيًا في حجمه حجم بيت كلب الحراسة، مع فارق أنه تم طلائه باللون الوردي.

كانت لدي ألعاب تناول الشاي واستقبال الضيوف، كنتُ بمفردي آنذاك، أرتب الأواني والفناجين، لا أكترث بالًا لما يحدث بالداخل، فقد كانت هذه فقرتي المفضلة، ادعاء استقبالي للزوار، رغم أني لم ألعب سوى بمفردي غالبية الوقت، فشقيقتي "آن" كانت لا تزال صغيرة، والمربية تعتني بها إلى جانب أمي. أذكرُ أني سمعتُ جلبةً آتية من عند الباب، أعقبها خروج هذا الفتى الصغير، والذي لم أتمكن من تبين ملامحه، بدا من العسير علي رؤية وجهه بوضوح، كان كالأطياف، يتعذر علي رؤية تفاصيله، لمحته وهو يسير مقتربًا من بيت الدمي، وعيناه مرتكزتان علي، ما ظل حاضرًا في ذهني هي نظراته النارية، لم أرَ في مثل غضبها سابقًا، خاصة في طفلٍ مثله.

حدجني بنظرة جعلتني أرتجف، دعوته في براءةٍ:

-هل تلعب معي؟

وقف قبالتي، ظل يُطالعني بنظرته المليئة بالشر، فسألته من جديد مبتسمة وأنا أرفع فنجان القهوة:

-هل تشرب الشاي؟

لم يجبني، كان متحفزًا بشكلٍ غاضب، لم أتفقه له، كدتُ أتكلم من جديد، لكنه تقدم مني خطوة، وأطاح راكلًا بقدمه في قوةٍ الطاولة القصيرة التي أرص عليها أشيائي اللطيفة أمام بيت الدمي لتتبعثر كافة الألعاب هنا وهناك. نظرت له مدهوشة، وأنا شبه عاجزة عن الصراخ، بدت فعلته المفاجأة صادمة لي، والغريب أني لم أصرخ، تقوست شفتاي كتعبير عن حزني الشديد، وبكيتُ في صوتٍ خافت، تركني وابتعد وهو يلعن، فانتفضتُ خوفًا منه؛ لكني لم أفعل شيئًا سوى النهوض من مقعدي الصغير، لجمع ما تفرق من ألعابٍ في محيطي.

كان ذلك آخر ما أذكره قبل أن استفيق فجــأة من سباتي، لأعتدل في رقدتي، وأنا أرمش بعيني لعدة مراتٍ حتى اعتاد على الظلام الدامس، شعرت بنهجانٍ يسري في صدري، بإرهاقٍ مريب يستبد ببدني، وبانقباضة مؤلمة تعصف بقلبي، رفعت يدي لأتحسس وجهي، للغرابة كان مبتلًا! تساءلتُ بلا صوت:

-هل كنتُ أبكي في الحقيقة أيضًا؟

كفكفت بقايا دموعي العجيبة بظهر يدي، وسحبت نفسًا عميقًا، لفظته على مهلٍ، ثم رفعت يدي أعلى شعري، نفضته في الهواء، شعرتُ بالرطوبة، وبارتفاع حرارة جسدي، فقد كنتُ أتصبب عرقًا، رغم أن المكيف كان يعمل في الغرفة، لجعل الأجواء لطيفة، التفت نحو يساري، لأخذ كوب الماء المغطي الموضوع على الكومود، ارتشف قدرًا منه، ووضعته في مكانه. استلقيتُ مرة ثانية، لأحدق في سقف الغرفة بعينين متسعتين، ما زالت تفاصيل هذا الحلم الغريب حاضرة في ذهني، لم أتمكن من النوم مجددًا، بقيتُ يقظة لوقتٍ ليس بقليل، حتى ضجرت من البقاء هكذا بلا شيءٍ أفعله.

غير قابل للحب ©️ كاملة - مافياحيث تعيش القصص. اكتشف الآن