28

8.4K 128 78
                                    

‎وقف وهو يسحب كتفه من بين كفُوفها ، وأخذ الثوب الأسود من على طرف الكنّب وهو يبّتعد عنها ويلبسه على عجل ، وثم ألتفت لها وقال بهُـدوء : ما بيننا وبين ذاك البيّت عثرات ، المهم إنك ما تندمين على هالخطوة ، والمهم إنك حاسبة حساب الي بتعيشينه بسببّها
‎تحاشى وقوفها الصامد والثابّت بمكانها ، وأتجه لغرفتها وهو يأخذ الشنطات اللي قدامه ووقف جنب الباب وقال بهُدوء : بنتظرك .. لا تأخذين وقت كثير
‎خلت الشِقة من جسده ، ومازالت غيّهب الليل على وضعها ، مازالت مسترسلة بذرف الدمع الغزير
‎وكأن النشيّج المكتوم شق صدرها من شِدة وطأة الشعور !
‎من لما حاولت تعبّر عن سبب خُوفها ، تبُوح عن مقصدها ، تبّرر له سبب الوجع اللي بجسده بسبّبها ؛ لأن من حقه يسمع التبرير
‎حتى لمحت ذكرى حاول يخبيّها وهَاج ، ولكنها تنفضح بكل مرة ! ذكِرى مُرة عارية الوجع !
‎ذِكرى مفضوحة البكاء ، آثارها مسكوبة بشكل مُدمي على ظهره ، السقيّم والوصب تحوف هالآثار لدرجة عجزت ، عجزت تنطّق أكثر
‎عجزت تتفوه بكلمة زيادة ، وكأن جمّرة كبيرة وضخمة إستقرت بحلقها بسبب غلاظة الشعور اللي تستشعره هاللحظة ، وكأنها غادرت هالعالم
‎وعاشت بحدود هالآثر اللي قدام عيونها ، الآثر اللي بقى لسنين طويلة واللي يتجدد كل سنة وينعاش كل ليَلة ، وكأن هالآثر بقلبها وهالنار ما أحرقت إلا أوردتها وما زاحم دخانها إلا دموعها اللي فاضت بشكل كارثي على حدود وجهها
‎من شدة دهشتها بوجود العذاب على ظهره ، كانت دموعها وصمتها تعبيرها الوحيَد على هالدهشة ! حتى إن كلام وهّاج ماعاد قدرت تسمعه بسبب نبضاتها السريّعة واللي صوتها كان كفيّل بأنه يحجب عن مسامعها أي صوت خارج عن مدار قلبها المتأوه هاللحظة، كانت جاهلة عن دموعها اللي غرقت كتف وهّاج ، جاهلة عن ضيّق قلبه بسبب إجابتها المبتورة ، جاهلة عن كلامه وعن حتى وجوده جاهلة بإنه يناظرها بنظرة الـ"‏أنا محتاجك دواء أنا مو ناقص جروح"
‎كانت عايشة بحدود وجع ذكرياته ، اللي أصبحت أسيرته وبسبب ذكرى وحدة بس ! فكيَف لو لقت آثار مابقى من ذكريات ! فكيف لو عرفت إنه
‎"يشيل إحساسه المنهك على جيده ولا كنّه .. على جيده ولا مُنهك" فكيَف لو درت إنه "جرح مغطى بثيَاب "
‎نست كل اللي حولها ، وتذكرت "إنه وحيد وإنه جريح وإن صدره محطة خوف ومكابر"
‎بعد دقايّق طويلة سيطرت على مشاعرها بصعُوبة بالغة ، أسبّلت أهدابها اللي غارت بفوضوية دمعها وأخذت بتأمل المكان بكل خواء ، وبعدها تنهّدت من أقصى جوفها وهي تمسّح الدمع المنهمر وتحزم جمُوح تمسّح الدمع المنهمر وتحزم جمُوح مشاعرها وتنِهي ضيّقها على حالها ..

‎تنهّدت وهي تهز رأسها بإيجاب وأتجهت للغرفة وهي تأخذ عبايتها وتتلحف بسوادها بكل سُرعة ، دنت للأسفل وهي تحتضن كانِدي بكل حنيَة لصدرها واتجهت بخطوات تكسوها المَهـابة
‎لـخارج هالمكان اللي ما تنتمي له أبد ، للمكان اللي تكَون به الوجع ، للمكان اللي ضمَ ذكرياته الصعبة والمُرة .. والحلوة !
‎للمكان اللي صعب يتعايش بغيره ! للمكان اللي يحتضن وهّاج من لما تهادى لعيُونه النور .. للمكان اللي يحتوي خالتها ريّحة أمها
‎موقنة إنها بتقدر على فك هالعُقدة .. بطريقتها !
‎جلست بجنبه بالسيارة ، وبرغم الضيّقة المميتة اللي داهمت صدرها هاللحظة بجلوسها بهالمكان جنبه ، بهالقرب بعد ماكانت قريبة نفس هالقرب بالليلة اللي تفّنن بتجريحها ، الليلة الي وإن عفت عنها ما بتنساها برغم إنها تحاشت تناظر فيه أو تتأمل جلوسه برغم صدها ورأسها اللي ثبَتته على الشبَاك بلا وِجهة وبرغم محاولة تجاهل وهَاج لهالوضع همسّت بصوت مكتوم وهي تخبي دموعها " ‏لو كنت متشتت وجع.. بستجمعك"
‎وكان هالوعد اللي قطعته لـ قلبها .. بعيد كل البُعد عن عقلها اللي يحاول ينهاها عن الكدّ لأجل وهّاج ، عقلها اللي يجبَرها تعيد التفكير بخوفها اللي عاشته اليوم ، بالشخص اللي غير موازين حياتها رغم جهله بهويته !
‎بالحرب اللي بتبدأ تعيّشها ، والجبَهات الكثيرة اللي وجب عليها تقاتل فيها ! بالحيـاة الجديدة اللي تنتظرها !

لابد يا سود الليالي يضحك حجاجكحيث تعيش القصص. اكتشف الآن