56

8K 116 81
                                    

ومرت هالأربع أيَام ، مثل مرور قطرة مطر على أطراف أوراق الشجر ، وهذي هي الليلة الموعودة
الليلة الي قضى على أعتاب بابها الجنوبي شهور وأسابيّع لعلها تحن وتفتح له بابها
وآخيراً حنت ، ووآخيييراً الليلة فرَحه !



وعلى أعتاب بيّت الصعب ، بالأحرى بين حدُود غرفته
مبتسم وهدوء إبتسامته طاغية على ملامحه ، كان يرتب كبّكات كُمه بخفوت ومسامعه تشهد على صوت أمه العاتب والشارِهه على أفعاله !
أما هو كان راضي ، راضي تماماً عن كل اللي حصل والي بيّحصل
سحب الشماغ من على السرير وهو يوقف قدام المرايَة ويرتبه على رأسه حتى زعلت أمه أكثر وقالت : بُرهان ، الجدران حنّت علي وأنت متجاهلني
ألتفت لها وهو يتنهد وقال بخفوت : يايمة يا بعد قلب بُرهان ، أنتي تشرهيّن بموضوع خالصيّن منه
تأفتت بقهر وهي توقف بجنبه لما رجع يضبط شماغه قالت بضيّق : يايمة هذا الي تقوله البنية يستوعبه عقل ؟ كيف ماتبي زواج ؟ كيف ماتبي تفرح بليلة عمرها ؟ وبعدين فهمني دامها تغاضت عن فرحتها ليه تحاول تسرق فرحتي بوحيدي ؟ يايمة أنا مُنى عيني أشوفك بالبشت وأزفّك بالزغاريد وشلون هالليلة بيكون زواجك عادي وكأنك شخص عادي ؟
رتبّ مرِزام الشماغ على أطراف رأسه وهو يكتم تنهيّدته بصعوبة ، هو ماصدق على الله يسمع من ثغر ضرار إنها موافقة ، ولو إن شرطها صعب على الكل ولكن عليه هو بالذات يهُون ويمر
ولكن من حكى لأمه حتى كان للزعل من قلبها نصيب !
تذكر رد قلبه وإبتسامته من سمع الموافقة وماكان إهتمامه بمقدار ذرة بشرطها لإنه ما يهمه أبداً حضورهم
" الناس ومن هم مادام هي معي ؟ "
أردفت من لمحت صمته وقالت بقهر : يايمة أنت منت بناقص ولا هي بها عيّب ، الناس وش بيقولون لامن كان الزواج بهالشكل؟ أنت تعرف معارفنا وتعرف وش كثرهم وتعرف رغبتهم الكبيرة بحضور زواجك أنت بالذات ، وش بيحكون الناس يابُـرهان إذا رضيت بهالكلام ؟
ناظر إنعكاسها بالمرايَة بنظرات هاديّة ثم أبتسم على حيّن غُرة: النااس ومن هم الناااس يا أم بُرهان ؟
ألتفت لها بعدما عدّل نسفة شماغه وناظرها بنظرات تاييّه وهو يقول : يابعد هالكل يايمة
هالبنت ودّها تفرح وبس بهالليلة ، ولكن ظنّك لو كانت تحت أنظار الناس بيكون لقلبها نصيب من الفرح ؟
عقدت حواجبها أمه بإستنكار وهو ثبت يدينه على كفوفها وقال : وش كانت نظراتك يومّك لمحتيها أول مرة ؟
نكست رأسها بضيق من سؤاله وهو تنهد وأردف : شفتي ياعيوني ؟ هالناس مالنا سلطة عليهم ولا لنا قوة لأجل نقول إنتبّهو لا تكسرونها بنظرة ولا توجعونها بكلمة ، هذي ليلتها غضُو الطرف عن وجعها ، الناس يايمة وإن ماكان ودهم يوجعونهم فهالشيء بيكون لا إرادي منهم ، إن طاحت عيونها على نظرة توجعها وضاق بها الكون بيوم فرحَها من بيتحمل ذنبها؟

رفعت رأسها وناظرته بشجّن من كلامه وهو أبتسم وقال : ولو علي أنا ؟ ياشيخة إفرشي الكون كله ورد لو ودك وزفيّني على كل خلق الله بس من تصير معي ، من تكون زوجتي لوقت طوييّل
تنهدت أمه بعدم إعجاب وقالت بتنهيّدة : وهالبنت بتبّقى عايشة حياتها كذا ؟ بتتخبّى طوال عمرها وكإن بها نقص ؟
هز رأسه بالنفي وهو يبتسّم بهُدوء : لا
خليها تصير عندي وبس ، رح ينتهي هالعهد كله
من تخطي خطواتها لي بينتهي هالتفكيّر كله
ناظرته بطرف عينها وهوضحك بخفوت ورجع خطوة لورى وهو يقول : دخيّلك يايمة سايريني
والله عدّت شهور تنحسب ضدي لا تزودينها علي
تأففت وهي تصد عنه للحظات وبعدها ألتفت له وقالت : حسّ بالك وافقت عشان كلامك وعشانك أنت ، ترى لأجل ما تنوجع بليلة فرحها بس لأجل أفرح أنا ، حنا صدق مالنا كلمة على الناس لأجل نحاسبهم على نظراتهم وكلامهم ولأجل ظروفها الي حكيت عنها
وهي ماهي بمضطرة تسمع وتشوف شيء ما يعجبها ، ولكن هالحكي كله بيكون بالماضي إذا صارت معك
صدقني من تصير هنا ما بخليها بحالها
ضحك من قلبه لما كرّرت أمه معنى كلامه ولكن بطريقتها الخاصة وتقدم خطوة وهو يقبّل رأسه بسكون وهو يقول : وعاد حلّاك اليوم زايد بالحيل
ناظرته بطرف عينها وهي تكتف وتقول : قبل دقايق ما تشوفني وأنت تفكر بالبنّية ، وهاللحين لما وافقت ألتفت لي ؟
ضحك أكثر وهو يهز رأسه بالنفي ويقول : لا يشهد الله إنك طاغية حسن وإن هالحسن ماغاب عن بالي من خطيتي لي
سكتت بإبتسامة وهو يأخذ العلبة الكبيّرة من على السرير ويقول : يالله مشينا ؟
هزت رأسها بالنفي وهي تناظر لساعتها : بروح مع أبوك
عقد حواجبه بإستنكار وقال بذهول : لا إله إلا الله وش صاير بالدنيا ؟ سلمان الصعبّ برأسه بيترك شركته وإجتماعاته وبيحضر زواج خوييّ ؟ يالله ياربي
ضحكت من كلامه وضربت كتفه وهي تقول : صاحبّك أتصل وبقى ساعة كاملة يقنعه وهو أنحرج يرده
أبتسم بُرهان وهو يتذكر إن بنيّان طلب رقمه فعلاً وقال وهو يخرج : بعد ساعة كاملة وبيرده ؟ ياكبّرها عند الله
أبتسمت له بضحكة على كلامه وهي فعلاً تأيده ومن لمحته يخرج من البيت تنهّدت وهي تكتف يدينها ببقايا الضيّق : والله لولا فرحتك من يوم سمعت موافقتها ، مارضيّت بشرطها أبببد
ولكن هالفرحة شفعت لكل شيء بعدها يا بُرهان


وبأركان عروُسة السلام والبّهاء ، كاملة البّهاء
حوريّة البياض لهالليلة ،جالسة بهُدوءها المُعتاد على الكُرسي البني ونظراتها مُصوبة على الفستان الأبيض المُعلق على أطراف الجدار
كان هادي تماماً وسادّة ولكن نقشاته اللي نُقشت بعناية تامة وبحرص شديد زادته هيّبة وزادت للطرحة نعومة ومَهابة بنفس اللحظة !

لابد يا سود الليالي يضحك حجاجكحيث تعيش القصص. اكتشف الآن