مشهد العشق

4K 43 4
                                    

اعتدلت في جلستها مشبكة ذراعيها على كتفيه لتصبح فوق ساقيه قائلة:
سلمى: قاسم....كنت وحيدة في الحلم و قد ارعبني كثيرا لم تركتني و ذهبت؟
اغمضت عينيها حينما احست بقبلته الساخنة على رقبتها ثم ارتفع الى شفتيها بسبب فارق الطول الكبير بينهما ....
قاسم: كانت لدي اعمال مع ابن عمي ...
شعرت بوغزة في قلبها من الخوف ليلاحظ قاسم توترها...
قاسم : ما بك يا سلمى؟
فكرت طويلا قبل التكلم بحرف لتبتعد عنه بضع مسافة و نطقت:
سلمى: هل تعدني انك لن تغضب؟؟
تلاقت حاجباه الكثيفتان باستغراب فتغيرت نبرة صوته الحانية فجأة: ما الذي يزعجك يا سلمى قولي ارجوك؟
صوته المتغير و ملامحه زادتها تأكدا انه اذا علم ما كان سيقدم فارس بفعله لها سيجعله وحشا لكن عليه المعرفة في كل الأحوال....
سلمى بتردد: الأمير فارس بصراحة....
ضيق عينيه و احتدت ملامح وجهه لتشيح سلمى بصرها عنه و تكمل محاولة بكل ما اوتيت من قوتها
الاكمال....
سلمى: كان يريد الامساك بي اكثر من مرة و ....
لم تكمل سلمى الكلام لتجده يرتدي سرواله بسرعة خاطفة يليه قميص شفاف و يفتح باب غرفته بعنف تاركا اياها تلف ثيابا عشوائية و تطل من شرفة غرفته تولول بخفوت: يا ربي سيقتله...قاسم سيرتكب جريمة.....!!!!

بينما هو في الرواق....كان قاسم تخرج منه شرارة الغضب المتطايرة في الهواء فكل من لمح تعابير وجهه الهمجية تنكمش نبضات قلبه و يتساءل:
ما سبب غضب مولانا؟؟؟
يمشي و لا خلفه احد من حراسه فبعدما ظهر في الحديقة الملكية بينما يتشاجر معه جده و اباه ليدخلاه للسيارة تقدم قاسم بقفزة نحو عمه و القاه على الأرض تحت صيحات جده له
هاشم بذعر: ارجوك تمالك نفسك يا قاسم ستقتله!!!
اطبقت يده على رقبة فارس و الثانية لكمته لتطير الدماء من فمه و يسقط على الارض بدوره كورقة الخريف ....رفعه الى فوق ينظر الى وجه الآخر المغمى من اللكمة التي الحقت ضررا بعينه اليسرى فشكلت حفرة سوداء ....اراد توجيه لكمة ثانية ليمسك جلال بقدمه متوسلا بنبرة باكية:
ارجوك سامحه يا ابن اخي....انه من لحمك و دمك لا تحرمني من ابني يا قاسم...اترجاك....اقتلني انا بدلا عنه...
خفقت ضربات قلب هاشم ليطلب منه بترجي:
سأعاقبه بنفسي يا قاسم اتركه ارجوك....
رماه ككرة القدم و تقدم اليهما يصيح بحدة: لا اريد ان ارى وجه الملعون في قصري يا جدي و الا سأقطعه الى نصفين ليلتف الى جلال:
هل كلامي مفهوم يا عمي؟؟؟
اومأ جلال برأسه دون تضييع الوقت و انحنى ليحمل ابنه الغارق في دمه تابعت سلمى المشهد الدامي بارتعاب و اصابع يدها لم تكف عن الارتجاف ....
سلمى بارتباك: الرجل الذي يلمسني يتحول الى وحش فجأة.....
جلال بخوف: هيا انهض يا فارس...اسرع لا تغضبني
تحامل فارس و نهض بتألم لا تقوى ساقيه على حمله يإن بقوة و جسمه متهالك فألقى بنظرة يملأها الحقد الى قاسم ليشير بإصبعه مهددا و اسنانه تلونت بالدم
فارس: ستندم على هذا!! اقسم انني سأنتقم منك!!!
ليفلت قاسم يده من يد جده و ينقض مرة ثانية على ابن عمه يشبع فيه غضبه المكبوت بداخله موزعا الضربات في جميع انحاء جسده و فارس بدوره يحاول المقاومة لكنه يعلم جيدا ان قوته لا تساوي شيئا امام قوة و جبروت قاسم ....
فأطلق شهقات دلت على استسلامه و اسقط رأسه و يديه ملتقطا انفاسه بصعوبة و كأن الحياة ستفارقه...
هاشم منقذا الوضع: يا حراااس خذوا قاسم الى جناحه!!!!
لبى الحراس الأمر و هموا الى سحبه عن فارس لكن قوة غضبه المتأجج بداخله جعلهم يترددون الى فعل ذلك و كل صرخة قوية تنفلت من حنجرته تضعف ابدانهم فيتراجعون للخلف....
تطلع هاشم اليهم بقلة حيلة لقد فات الأوان فارس سيلقى حدفه فقاسم لن يترك فريسته حتى يقتلها
انسابت الدموع من جلال كالماء في النهر و تمسك على ظهر قاسم ليوقفه لكن الملك بلغت سيطرته الحدود و وصلت لأقصى المستويات لقد اصبح احمرا كالجمر المشتعل و عيناه يسودها الظلام الذي يحجبه
عن الرؤية و لم يعد يسمع لصوت احد الا الصوت الباطني الشيطاني الذي يوجه له كلمة واحدة و هي القتل.....
تأملت سلمى وجه الأب الباكي ضعيفا يجاهد لحماية ابنه فشعرت لأول مرة شعورا غريبا و كأنه احساس الأبوة الذي لا تعرفه لأنها لم ترى والديها سنينا طويلة
فتملكها الحزن و انتابها الندم فهي السبب في غضب ملكها ....اسرعت بالخروج من الغرفة الملكية دون تفكير مسبق و خطر ما ستقوم به لتنزل الطوابق و تجد نفسها لأول مرة في الحديقة الملكية التي لم تطأها قدميها منذ ان كانت طفلة....
و تصنمت بمكانها تحت انظار فتيات الحريم و اهل القصر المتفرجين لتصرخ بأعلى صوتها:
قاسم....توقف!!!!
هناك من ارتعب لردة فعلها و دعا الله الا يقوم الملك بفتك روحها و هناك من تعجب للطريقة التي نادت بها على سيد الصحاري و حاكم القصر
احدى صديقات تسنيم في احدى اركان القصر يتابعن المشهد:
كيف تجرأ على مناداة مولاي باسمه؟؟؟
هل اسمه قاسم؟؟؟
لم اكن اعلم ان اسمه قاسم؟؟
و لا أنا!!!!
لكن كيف؟؟؟
لا احد يعلم اسمه من اين لها باسمه؟؟؟
كيف لتلك الطفلة ان تعلم اسمه؟؟
اصمتن لنرى ما سيحدث معها....

توقف عن ضربه فور سماعه لصوتها و استدار اليها متأملا قامتها القصيرة التي تختلف عن تلك الضئيلة في السابق ...وجهها الساحر و عينيها الرماديتين كعيون القطط ...وقف بتعب لتبرز عضلات صدره و ذراعيه ماشيا اليها و مخيلته تقارن صورتها بين التي امامه و قبل عشر سنوات يسحبها احدى العصابات الى قصره و هي تبكي و تخفي وجهها بطفولية مرهفة بنظرات الشفقة على اختطاف طفلة صغيرة كجارية في الحرم.....
شيء واحد تبادر الى ذهن سلمى راجعة الى الوراء و هو العقاب على فعلتها تخيلت انه سيضربها كما فعل لابن عمه او اسوء ....فانزلقت دمعة على خدها الوردي و اغلقت عينيها بقوة بينما متأكدة ان صفعة ما ستوقعها ارضا امام الملأ و حشد من الجمهور...

انكمشت على نفسها فارتعدت ليده الخشنة تداعب خديها بحنان ففتحت عينيها بخفة و التقت نظراتهما معا وسط ذهول الحاضرين من العلاقة المفاجئة بين ملكهم و الفتاة التي سخر منها الجميع ...اعتدى عليها الجميع و اهانها الكل لأنها صغيرة ووحيدة
ارتجفت شفتيها و اغرورقت عينيها بالدموع ليمسحها بيده التي لطخت وجهها بالدماء ....

استغرب الكل من المشهد الصادم و عرفوا من هي صاحبة الخلوة السرية و ملكة لياليه ....الكل انكشف الآن....توقف فارس على ساقيه يتطلع الى الفتاة التي بحث عنها طويلا بصدمة كبيرة لم يتخيل يوما ان من يرغبها مسها عدوه....نسي آلامه و نظر اليهما طويلا يحدقان لبعضهما بعشق ....لترفع يدها الصغيرة و تضعها على لحيته المرسومة على فكه و داعبتها بحب لترسم له ضحكة عريضة و بادلها بضحكة اظهرت اسنانه فاشتدت الدموع عند بنات الحريم اللواتي لم يشاهدن مرة ضحكته الجذابة
خاصة الشقراء الواقفة بجانب نافذة المصحة تطلق العنان لبكاءها و عويلها.....و ترمي بكل شيء وجدته في طريقها.....

لم يكترثا لهمسات الآخرين او لأقاويلهم بل جذبها الى حضنه و رفعها الى صدره حتى ارتفعت قدماها عن الأرض مشددة على حضنه و قلبها يرفرف سعادة
تستشعر دقات قلبه المرتفعة و تحتضنه بقوة كأنها يخشيان الافتراق عن بعضهما هو بين احضان صدرها يدفن انفاسه و هي تلتقط رائحة انفاسه و عطره الرجولي الفواح ..تشعر بالأمان في قبضة رجل حديدي ..اسد ..الرجل الذي نسجت مخيلته في احلامها و تمنت كل ثانية ان تحضنه في منامها
ها هي الآن تعانقه واقفة يطلب منها الزواج...
انه يستنشق عطر طفلته التي ابتعد عنها و انتظر طويلا بلوغها سن السابعة عشر ليعطيها لقبه و يطبع رجولته عليها.....تلك الفتاة التي ركضت في قصره امام عينيه و ملكت قلبه في سن مبكر هي الآن بين يديه و امام خدمه يطلب منها الزواج ....
احس ان قلبه منقبض متمتما بخفوت غير مكترثا لوالده الذي يتآكل قلبه على حاله: سلمى!!!
و حين انزلها ...مسكت قبضة يديه الغارقتين بالدم و مزقت انشا من ثوبها الابيض لتلفه على يديه
بينما جثا قاسم على ركبتيه امام حراس القصر...فتياته ...الخدم...
قاسم بحب : كوني زوجتي يا سلمى!!!
تأملت ضحكته الجذابة لتفلت ضحكة انثوية منها بينما يمسك يدها امام اعداءها فاحمرت خديها و اخفت ابتسامتها بيدها و قبل ان تنطق اندفع فارس بعين مصابة يسحبه جلال اليه : لا تفعلي يا سلمى ...اياكي...انه رجل مريض!!!
انحنت سلمى على ركبتيها لتأتي مقابلة له و تضع يديها فوق يديه قائلة: أقبل!!!
ليدفع فارس خدم جده و يسقط على الأرض صارخا بنبرة متقطعة: سلمى لالالالالالا!!!!

عشقت القاصرOù les histoires vivent. Découvrez maintenant