الفصل السابع والعشرون

201 11 0
                                    

الفصل السابع والعشرون

ابتسم بفتور ونظر الى يدها التي تمسح على يده برفق ثم قال و هو ينظر بعينيها بإمعان: "دعيني اقول ما ارغب ان اقوله الان........... اجدها فرصة لأبوح ما بداخلي لك تحت تأثير الندم............ ربما بعد عدة ايام سيصحو بداخلي ذلك الوحش الكاسر الذي لا يعرف للندم طريق........... ربما تصحو بداخلي الخيلاء و الكبر و اعاود المسير بنفس الطريق"

ابتلعت ريقها و تأملت ملامحه و تنهدت قائلة باستسلام: "افعل ما يرضيك............ منذ عرفتك و انا اريد رضاك"
قال و هو يبعد بصره و يركز بالجدار امامه و استقرت عينيه على لوحة جداريه شفافة جدا لأمراه ناعمة جميلة تحتضن طفلها الصغير بحنان بالغ و يديه الصغيرتان تحيطان عنقها و شعرها بتشبث و بنبرة هادئة: "قبل ان التقيك مع تيم في المطعم كان بداخل قلبي غليان لا يهدأ لكون اخي سقط ضحية ناس حمقى ......... نتيجة شهادة مزيفة نطق بها لسان شابة طائشة عديمة المشاعر و الانسانية تم تصديقها و الاخذ بشهادتها فقط لكون عينيها بريئتين و صوتها دافئ و جميلة لدرجة ان تستميل القلوب اليها فورا و لا يمكن لأي احدا ينظر بوجهها الملائكي ان يصدق و لو لثانية انها كاذبة ضليعة تصطنع القصص لإنقاذ حبيبها المندفع المتهور............ كنت احلم باليوم الذي اضعك فيه انت وذلك القاتل في ظلمة السجن.............. و عندما رأيتك معه تلك الليلة شعرت بالزهو و الانتصار بداخلي و ادركت انني امام قاتلي اخي و ان طريق الثأر اصبح قريبا جدا....... ...... كان ذلك هدفي كل الايام حتى نفذت ما خططت له بشأن تيم............ لكن اصبحت احمقا بعدها......... هناك شيء بداخلي و بعقلي امرني ان استغل جرحك من تيم و اتزوج بك......... ظننت ان الامر هينا........ قلت مع نفسي ان عذابك على يدي سيشفي غليلي اكثر........ قلت لنفسي من الصعب تلفيق تهمة لك يمكنها ان تزج بك في السجن طويلا خاصة و انك استطعت سابقا خداع الجميع ....... ربما لو اختلقت لك أي تهمة او مصيبة سوف يتعاطف معك القانون مجددا و يذعنوا الاخرين لدموع بعيون بمنتهى القسوة لكن يخيل للمرء انها بريئة صادقة ......... "

اعتصر الالم قلبها و خفضت بصرها و ارتجفت شفتيها و هي تقاوم الدموع المحرقة لعينيها............. واصل دون ان ينظر اليها: "لأني غبي اعتقدت انني قادرا على مواصلة الانتقام منك طويلا......... بفعلتي هذه اصبحت كمثل الذي يرى جمرة مستعرة و يطبق عليها بأصابعه بقوة فتلسعه و تلذعه و تلتصق بيده و لا يستطيع التخلص منها بسهولة........ جلبتك و بدلا من ان ادعك تعيشين في ذلك البيت الصغير الذي هيأته منذ فكرت بالارتباط بك و جدت نفسي اضعك بوسط عائلتي ........ مازلت لا ادرك لماذا فعلت ذلك...........ربما خشيت عليك لكونك صغيرة السن و جميلة خشيت ان اتركك لتكوني عرضة للمخاطر.......... ذلك ليس مبرر كافيا لكن ذلك كان مبرري............ بعد ايام وجدت افراد عائلتي معجبين بك و مناصريك و فوجئت تماما.......... و الذي فاجئني اكثر و ادهشني اسلوبك و شخصيتك و طريقة تعاملك مع كل فرد من افراد العائلة و تعاملك معي انا بالذات............. لم اتوقع من فتاة مثلك ان تمتلك مواصفات نادرة جدا و مفقودة عند نساء اليوم........ صعبت علي الخطى للإمام و حيرتني و احبطتني بإقرارك بذنبك و ندمك الواضح بعينيك و استسلامك لي و لقراراتي و رفع شأني امام الاخرين والصبر على ما واجهته معي من ايام و ليالي عصيبة............ لم تجادلينني يوما و تدافعي عن نفسك او تتكلمين بأسلوب يجعلني انفر منك و اكرهك و اواصل انتقامي.............. كنت طوال الوقت ناعمة و متفهمة و طائعة........ حتى في الايام التي ظننتك تخدعينني و تخونينني تبين لي فيما بعد انك كنت تحمين ابنتي ............... تحمين ابنة الرجل الذي يريد القضاء عليك و المتوعد لك بأسوأ الوعود................... موقفك مع ميليسيا قد احرجنني كثيرا بداخل نفسي و افرحني ايضا.............. انا مدين لك بإنقاذ ابنتي من الانحراف و السقوط و الفضيحة........ فعلت فعلة لم تفعلها امرأة غيرك مستحيل........................ شيئا فشيئا وجدت نفسي امتن لقاتلة اخي و اتعاطف معها و ادرء عنها الشبهات و اعطيها الاعذار و ارغب بها كزوجة................ اذن ماذا فعلت انا.................. لقد قمت بخيانة نفسي و خيانة عائلتي و اخي الفقيد................ لذلك كنت اغضب كل يوم اجد فيه نفسي تلين من جانبك و يزداد غضبي و الغليان الذي كنت اشعر به سابقا بقلبي تحول الى سعيرا احرق جسدي............ و سخرت من نفسي عندما علمت انك حامل ماذا فعلت لقد ازدت الطين بله امرأة جئت بها لأذيقها العذاب جعلتها تحمل ابني.............. ادركت بشدة الخطر حينها و جن جنوني لدرجة انني لم اتمالك نفسي و لم ادرك مدى خطورة يدي و هما تمسكانك لم اشعر بالقوة التي بدرت مني لتفقدك الجنين.............. بعد ذلك اكتشفت انني نادم... و تعيس على اجهاضك كل هذا اوصلني الى العجز.................... كلوديا........... انا سلمت............ سلمت لك........... لا اريد ان اواصل الانتقام"

و اعاد بصره اليها ليجد دموعها تنهمر ثم هزت رأسها قائلة ببكاء: "و ما الذي تنوي فعله يا باتريك؟"
ابتسم بيأس قائلا: "علي ان اوقف كل ذلك ............ اذهبي يا كلوديا......... سأمنحك حريتك و اتوقف عن مطاردتك................. اكتفيت بذلك القدر من العذاب المتبادل.................. قصتنا انتهت الى هذا الحد................ انسي انك قابلتني بحياتك و ابدئي من جديد........... اما عن تيم............. فهو اقل ذنبا بالنسبة لي منك لأن شهادتك هي التي ادانت اخي و ليس جريمة القتل التي ارتكبها دفاعا عنك........... فأنت المسئولة بكل الاحوال .............. سأعمل على اخراجه لكن امنحيني بعض الوقت................ اخي جيرالد سيسامحني لأنه يدرك انني لو واصلت سيسوء الامر اكثر........ اريد ان اتوقف عن خيانة العائلة.............. ربما كلامك الاخير اثر بي............. قلت لي ان الفرصة ما زالت امامي لإنقاذ الجميع........... سأعتبر ان الايام التي قضيتها معي بصعوبة و تعاسة و الايام التي امضاها تيم في السجن و هو مصدوم و يعاني خسارة حبيبته من جهة و دخوله السجن من جهة اخرى............. هي الجزء الكافي من الانتقام............... ارحلي و اتركيني......... ارجوك"

اغمضت عينيها و حكمت ضميرها و ادركت ان هذا الرجل يستحق ان يعيش بهدوء و راحة و ان وجودها و حبها يؤذيه و يؤذي صحته و يشعره بالندم و الذنب طوال حياته.............. عليها هذه المرة ان تتخلى عن الانانية تماما و ليذهب قلبها الى الجحيم........... فتحت عينيها و اومأت موافقة ثم قبلت يده و قالت: "حسنا........... انت محق............. سأبقى نادمة على اخطائي ........... سأذهب عنك بعيدا و أ امل ان تستعيد حياتك و نشاطك و صحتك.......... انا احببتك بصدق لكن حبي لا قيمة له ان كان يدمر الرجل الذي احببت و يوطأ رأسه امام نفسه على الاقل................ انا ممتنة لك يا باتريك لأنك لم تشهر بي و تفتضح امري امام عائلتك................... و لي رجاء وحيد عندك رغم علمي انك لا تطيق سماعه.................. ميليسيا ابنتك ............... فتاة موهوبة ....اهتم بها و بموهبتها فأن هوايتها بالعزف ليس عيبا............. و ان اصبحت عازفة فأن ذلك لن يسيء الى عائلة ساندوفال............... انا وعدتها ان اكلمك و لا يجب ان اتركها و ايضا انكث بوعدي"
بقي صامتا و متجهم الوجه............. نهضت و مسحت دموعها ثم تلاقت نظراتهما لثواني حتى شعرت بعدم قدرتها على الصمود فخرجت من الغرفة و استندت على الجدار في الرواق و مررت يدها على صدرها فقد شعرت كأن سكينا مغروز بصدرها و وجعه كبير و عليها تحمله................لم تتوقع منه ان يطلق سراحها من سجن الانتقام بهذه السهولة ......... و الذي اذهلها تفكيره بالعفو عن تيم ايضا............ اما الطلاق فكانت تتوقعه بأي لحظة طوال الوقت و تطلعت باتجاه الباب المغلق الفاصل بينهما و ابتسمت بمرارة من تلك الحياة القاسية و تمالكت نفسها و اعصابها المنهارة.......... استدارت خلفها لتجد رونالد و بيده عدة اوراق ثم قال بابتسامة: "انشغلت طيلة الوقت هذا الصباح بشأن تلك التحاليل ............. ابشري يا كلوديا......... فلا يوجد ما يهدد صحة اخي و يدعو للقلق.............. انها ازمة وقتية و انصرفت الى حين لا رجعة........ فقط ان يلتزم ذلك المشاكس ببعض التعليمات للحفاظ على سلامته"

ابتسمت ابتسامة عريضة و نظر بعينيها اللتين فيهما لمحة حزن عميق ثم قال و هو يمسك كتفها: "لا تتركين باتريك و لو طلب منك ذلك فهو مخطأ.............. انه يحبك"

تناولت الاوراق من يده و قالت ببهوت: "رونالد ان الكلام بهذا الموضوع اصبح متشابها الى حدا ما.......... دعونا نقرر مصيرنا بأنفسنا ان حياتنا معا باتت من المستحيلات".


انتهى الفصل

لست بريئة الجزء السادس من سلسلة قلوب منكسرة لكاتبة هند صابرحيث تعيش القصص. اكتشف الآن