(الفصل الثالث)
لم يغمض لها جفن، طوال الساعات القليلة الماضية قبل بزوغ الشمس لم تفلح بإغلاق عينيها رغم تعب جسدها المنهك، تعلم بأن هناك ما يحاك بعملها، شيء ما لن تتقبله فتشتعل الدماء بعروقها لتحرق أعصابها لذا لكمت وسادتها يائسة وقامت تتجهز لصلاة الفجر وظلت على السجادة تجادل نفسها وأفكارها الفوضوية، الكثير من الأفكار حتى زفرت بقوة تتساءل كالعادة عن السبب الذي يذرها رهينة حرب دائمة، فياسمين محقة وليذهب العمل بما يحمله من إخفاقات إلى الجحيم!
الآن هي ببيتها خارج ساعات دوام عملها التي تطول بتعمد منها أحيانا كثيرة، فلماذا لا تنشغل بأي شيء آخر أو حتى تنام كبقية خلق الله، وتريح نفسها الكئيبة؟
والرد كان جاهزا من عقلها المعلول بعصبية متعبة، ماذا لو أفلح المجرم بالهرب؟ وإن هرب؟ قطعا لن تكون هي السبب، فقد فعلت كل ما عليها من واجب؟! لا! لا يجب أن يهرب وهي التي ظلت خلفه لسنتين، سنتين من الصبر الذي ليس من شيمها ثم وبكل بساطة يفلت من العقاب!
طالعت الساعة، فقامت تجهز نفسها حين أتتها إشارة عبر جهازها، قطبت حائرة وهي تتفقد الاستدعاء الطارئ، فأسرعت تنهي تجهيز نفسها وخرجت من غرفتها إلى الردهة لشقة والدتها التي رفضت مغادرتها حين تزوجت الأخيرة من سالم، لم تقوى على ترك بر أمانها وموقع جنتها الأول بعد مغادرتها جحيما لاحقها متشبثا بأعماق دهاليز عقلها، فما كان من والدتها إلا الاستسلام وتركها مع خالها وخنساء، فلم تكن بعيدة عنها على أي حال وقبل سنوات قليلة رحل خالها لبيته الجديد مع أسرته وتنازل عن حقه في الشقة لوالدتها ورغم فتح الشقتين على بعضهما إلا أن سالم يحترم خصوصيتها ولم تره يوما في الجانب الخاص بشقة والدتها إلا نادرا ويحدث ذلك بعد إبلاغها، يبرهن لها على صدق احساسه الطيب والحاني نحوها، ذاك الرجل لا يكل ولا يمل من صدها له وقد بدأت تستحي منه رغما عنها، تتخلى عن رداء العدوانية كلما واجهها بحلمٍ ولين استرجعهما بشخصيته بعد مصابه الأليم، فقصة سالم مع العصابة الإرهابية يحفظها أهل الحي جميعهم يحكونها بطرق مختلفة ومنهم من يضيف عليها بهارات للتشويق وآخرين يستغلونها لاهانتها كأن صيت من أنجبها لا يكفي ليحقروا منها مهما نجحت وسعت لتثبت ذاتها بنجاحها بمهنة تهدد بها كل من تسول له نفسه العبث معها، ألم تكن الشرطة اختيارها الذي أصرت عليه بعناد وسعت إليه بكل قوتها فقط لتثبت للجميع بأنها الأقوى؟!
-يا أبي افهمني!
تناهى إلى سمعها صوت أخيها عبد الله في نفس اللحظة التي شعرت بهاتفها يهتز بجيب سروالها، فسحبته تطالع رسالة ياسمين وأخوها يكمل قوله لوالده، تتخيل جلوسهما إلى طاولة الطعام: الأولاد يتسلون على حسابي، مرة بالعصابة التي تورطت معها وارتبط اسمها بتاريخ الانفجار الوحيد الذي حدث بالمدينة، ومرة بوالد ريفان وجرائمه المخزية، والآن يسخرون مني بسببها وتقمصها لدور الشرطي الصارم يطلقون عليها لقب شخصية نسائية بشريط سينمائي كوميدي، تمثل به دور شرطي فتوقع نفسها بمشاكل مثيرة للسخرية وكل يوم يرسلون إلي مقاطع لتلك الممثلة.

أنت تقرأ
سلسلة الأزهار و الزمن.. ج4 .. وجيب الريفان ..للكاتبة المبدعة..منى لطيفي ...
Romanceجميع الحقوق محفوظة للكاتبة ممنوع النقل و الاقتباس وجيب الريفان * الجزء الرابع من سلسلة أزهار، أسأل الله تعالى أن ييسر لي ويوفقني إلى حسن الطرح والكتابة بما يرضيه واتمامها بخير إن شاء الله، وأهم ما في الأمر أن تكون مفيدة لقارئها. ☆الجزء الأول أشواك...