بسم الله الرحمن الرحيم
*بعد أسبوعين*
هرولت خارجة من المبنى ونزلت عبر الدرج ثم انعطفت تبتعد عن الجميع حيث بعض الأشجار المزينة للساحة الواسعة حول بنايات كلية الطب والصيدلة وهناك توقفت تخفي نفسها جيدا لتلهث بحزن وغضب تبكي بحرقة، انحنت تمسك ببطنها والدموع تقطر من مقلتيها بتدفق مثير للرأفة وحين شعرت بمقدم صديقتها مسحت دموعها واستقامت تتأمل جذع الشجرة بوجوم متهربة من نظراتها المشفقة: آية، لا تهتمي لقوله إنه حسود!
أومأت بلا معنى ورجاء تضم كفي صديقتها بمؤازرة، تحاول درء غضبها بمواساتها، لا تريد شحنها ضد أحد زملائهم، السمج مثير الاستفزاز بحقده: أنت الأولى على مجموعتنا منذ بداية السنة الدراسية ولقد سمعته وهو يرجو الدكتور ليعيد الامتحان الأخير وحين تأكد له رفض الدكتور غضب فوجدك بوجهه ونفث سم حقده فيك.
التحمت السخرية بالبؤس على وجهها بينما تجيبها وهي تمسح دموعها بسرعة قبل أن تنسكب فتشعرها بخزيٍ أشد: لم يكذب يا رجاء، أنا كما قال سمينة كالفيل وعار على الطب وواجهة مخزية.
ارتفع حاجب رجاء تخفي حزنها، مطلعة على جرح صديقتها الذي نكأه ذاك التافه الحقود بغباء، فلطالما شكلت سمنتها الزائدة منذ صغرها عقدة لها يستغلها زملاؤها ليسخروا منها ويتسلون على حسابها بألقاب جارحة لا يدرون مدى الألم والشرخ الذي يحدثونه بقلبها كلما نادوها بلقب مثل البقرة الضاحكة أو دب العسل وما شابه ذلك وكلما تفوقت بدراستها تضاعف حنق البعض ممن حولها غيرة وحسدا، فيتمعنون بإهانتها أكثر كأنهم بذلك يشعرونها بالدونية ويشعرون أنفسهم بالتفوق عليها: أولا، لا تهيني الفيل أنا أحبه ولا علاقة له أبدا بشر ذاك الحقود.
قطبت آية تحدق بها بينما تكمل ببسمة مرحة: إنه حيوان مظلوم جميل ورقيق...
ارتفع حاجب آية بعدم تصديق ورجاء تكمل بصدق أثار الضحك بصدرها المغموم: أكلمك بصدق، الفيل يخشى الفئران الصغيرة ويقفز ويجن جنونه إن لمح أحدهم، أليس رقيقا مثلنا نحن الفتيات نقفز رعبا كمن به مس لو لمحنا فأرا في الأرجاء.
ارتسمت البسمة على ثغر آية واتسعت حتى انقلبت إلى ضحكة، فتأبطت ذراع صديقتها تجيبها بتهكم: أجل يشبه الفتيات، له أيضا نفس أنوفهن الطويلة التي يحشرنها بما لا يعنيهن وآذان كبيرة تبحث عن الأخبار في كل اتجاه ...
-هل أشم رائحة إهانة للفتيات؟
علقت رجاء تحمد الله على تغير مزاج صديقتها التي ردت بمرح غلفت به ما يحمله داخلها من وجوم ومقت: أعوذ بالله من إهانة أحد، أنتِ من بدأ ...
ثم تلكأت تكمل بسخرية: الفيل كائن رقيق كالفتيات، قولي هذا الحديث لأي منهن وسترين الرقة على أصولها.

أنت تقرأ
سلسلة الأزهار و الزمن.. ج4 .. وجيب الريفان ..للكاتبة المبدعة..منى لطيفي ...
Romanceجميع الحقوق محفوظة للكاتبة ممنوع النقل و الاقتباس وجيب الريفان * الجزء الرابع من سلسلة أزهار، أسأل الله تعالى أن ييسر لي ويوفقني إلى حسن الطرح والكتابة بما يرضيه واتمامها بخير إن شاء الله، وأهم ما في الأمر أن تكون مفيدة لقارئها. ☆الجزء الأول أشواك...