الفصل الخامس
*بعد شهرين ونصف*
بصره حاد كالصقر يقتنص الهدف بمهارة، طلقات متتالية تحكم بها لتصيب نفس النقطة، وحين انتهى ضغط على زرٍّ ما جانبا، فتحرك الهدف بخط مستقيم نحوه ليتأكد من ضرباته الموفقة، كما أرادها تماما، مجتمعة في نقطة واحدة مسببة ثقبا كبيرا وسط الشكل الهندسي المرسوم.
في تلك اللحظة تحديدا سمع زميله مراد يحيِّه بنبرة عابثة معتادة: أهدافك لا تخطئ، أنا أحسدك!
اندثر المرح والعبث من على وجه مراد وشبل يصوب نحوه، موجها السلاح بيديه القابضتين عليه بشدة وبصمت ارتسم على صفحتي مقلتيه بتعبير جاد مخيف له، فابتسم مراد بتوتر وهمام يتراجع بظهره ليطل عليهما من مقصورته القريبة إليهما، يرتدي هو الآخر تلك الملابس الخاصة بالتدريب على السلاح: حسنا أتراجع عن الحسد يا صاح، كنت أمزح!
ظلا للحظات أخرى يتناظران، مراد بترقب وبسمة مرتبكة جبانة، وشبل بجدية جامدة حتى سمع همام يحدثه بضجر: سئمت التدرب على السلاح لنذهب إلى قاعة الحلبة، اشتقت لتحريك أطرافي بنزال شرس.
ثم التفت إلى مراد يكمل بهدوئه الذي لا يفهم تعبيره الحقيقي إلا صديقه شبل: ما رأيك مراد؟ هل تنازلني؟
تردد مراد يحدق بهما بتفحص، شيء ما لا يريحه بهذان الاثنان تحديدا، فبعملهم هناك قسمان واضحا الصفة، إما كما يلقب الصنف الأول، الصريح باستقامته وهؤلاء دائما ما يحاولون إنقاذ أنفسهم من الضغوطات بأقل خسائر ممكنة من قناعاتهم ووظائفهم أو الصنف الثاني المرن والذي يعيد تشكيل نفسه مع قياسات ضغوط العمل، لكن هذين الإثنين تحديدا لم يصل بعد لمنطقةٍ تحدد اتجاهيهما، وكل ما قرر بأنهما من الصنف الصالح ألقيا به في قعر الشك أمام براعتهما بتجاوز عقبات وفخاخ الفساد المستفحل بمجال عملهم.
:لا، أنا جئت لتوي وأريد التدرب على السلاح قليلا!
رد بنبرة اختل بها مرحه المعتاد، فنظر همام باسما إلى صديقه الذي لم يتحرك عن وضعه حتى نطق أخيرا بتهكم جاف: أين الكمامة يا ضابط ممتاز؟
ثم أخفض ذراعيه والجمود لا يفارق محياه بينما مراد يحك خلف رأسه، يجيب ببسمة محرجة: إنها معي، نزعتها ما إن دخلت هنا، لأن المكان شبه فارغ.
أشار إلى جيب سرواله، فارتفع جانب فم شبل بسخرية وهو يضع السلاح مكانه ويبدأ بنزع السماعات الحاجزة والنظارات الواقية في حين تولى همام الرد على مراد بتلك الطريقة التي تظهره الأهدأ واللبق بينهما: لا يجب أن نتصرف بإهمال، أنت ترى الوضع كيف يزداد تعقيدا ورؤيتك متساهلا بأحد الاحترازات لن يزيده إلا سوءا.
عاد إليه ثباته، فاعتدل مبديا طوله ومستعرضا رشاقة قده الرجولي، يقول باسما بثقة حد الغرور: لا تهتموا! إنه مجرد متنفس للعاجزين عن فعل شيء سوى الثرثرة خلف شاشات الحواسيب والهواتف.

أنت تقرأ
سلسلة الأزهار و الزمن.. ج4 .. وجيب الريفان ..للكاتبة المبدعة..منى لطيفي ...
Romanceجميع الحقوق محفوظة للكاتبة ممنوع النقل و الاقتباس وجيب الريفان * الجزء الرابع من سلسلة أزهار، أسأل الله تعالى أن ييسر لي ويوفقني إلى حسن الطرح والكتابة بما يرضيه واتمامها بخير إن شاء الله، وأهم ما في الأمر أن تكون مفيدة لقارئها. ☆الجزء الأول أشواك...