الجزء الأول من الفصل الأخير

1.9K 88 6
                                    


الجزء الأول من الفصل الأخير

توقعت معاملة عنيفة، ضرب أو قتل فوري ربما وكانت مستعدة لتدفع ذلك ثمنا لمجرد المحاولة للتخلص من واحد من أكبر المجرمين على الأرض جنرال فيكتور فابيل، هل قابلته من قبل؟ ولا مرة! لكنه البعبع في قصة حياتها، تسمع عنه كل يوم ومنذ وعت على الدنيا واسمه مرتبط في ذهنها بدموع القهر وآلام المعاناة... معاناة أهلها وأقربائها ومعارفها.

الجنرال فيكتور فابيل عنوان المذابح والتعذيب والتهجير والجروح الأليمة، بعضها اندمل وما تزال تنزف بندوبها في القلوب، كتلك الندبة الكبيرة الممتدة عبر عنقها لغاية عظمة ترقوتها، وما جرحها الذي كاد يودي بها وهي طفلة وأثّر على نغمة صوتها سوى نقطة في بحر الظلمات الذي عاشه غيرها من بني وطنها، لذا الجنرال تحديدا وغيره من أسماء معلومة وضعت نصب أعين الكثيرين يحلمون بنيل شرف إعدامه من على وجه الأرض.... ربما القصاص منه قد يبرد بعضا من نيران معاناة الأرواح.

شعرت بالشاحنة تتوقف فنظرت إلى الطفل الذي يرمقها بنفس الحذر، فتبسمت له بدعم ليبادلها نفس البسمة، تقدر تجلده وما يبديه من شجاعة وقد جهزه والده لما ينتظره، رقت مقلتاها برأفة تفكر بأن بعض الأطفال يقدر لهم أن يولدوا رجالا!

فتحت بوابة الشاحنة ولاح لها نفس وجه أحد الرجال الذين حاصروها مع الطفل وسط حشود من الناس في موسم الورود وحين فشلوا بنزع الطفل منها اقتادوها بتهديد صامت بعد أن كشفوا لها عن السلاح خفية عن الناس، فادعت الخوف والاستسلام لهم ورافقتهم.

:هل تنتظرين دعوة رسمية؟

خاطبها ببسمة سمجة فتحركت وكفها كقبضة من حديد حول كف الطفل وترجلت من الشاحنة تتبع إشارات الرجل وتشمل المكان بسرعة وتفحص محترف.

لم يأخذهما إلى منزل، والمكان عبارة عن خلاء تلف به تلال وبعض الخيم السوداء منصوبة جنب بعضها خارجها مرتزقة يحملون السلاح، ستقع معركة طاحنة لو تدخل الجيش، تغضنت ملامحها تتوقع ما سيحدث كأنها تراه بعينيها، فهؤلاء المرتزقة كالوبال لن يستسلموا، أمامهم القتل او الموت لا ثالت لهما، وهي قلقة! على الطفل، على يوسف وعلى فراس!

زمت شفتيها بينما تدخل إحدى تلك الخيم حيث وجدت إمرأة كبيرة في السن جالسة على الأرض منشغلة بشيء ما لم تميزه وانزوت في أقصى ركن تمسك بالطفل وتتفقد ما حولها.

أضحت أكثر راحة حين غادر الرجل يرمقها بتلك البسمة المستفزة فتركز ذهنها وجالت حولها بعينيها، الخيمة خالية سوى من بعض كراسي القش والعجوز على الأرض تجهز موادا ما، ضاقت لها مقلتاها تمحيصا فلم تلاحظ سوى بعض منها مثل الزئبق الأحمر.

نظرت إليها العجوز فجأة بنظرة مخيفة دفعت بها لتشهق خوفا من مرأى وجهها المجعد والمليء بوشوم خضراء في جبهتها وذقنها ووجنتيها، ترتدي وشاحا أحمر مزركش أعادت طرفيه إلى خلف عنقها المنفوخ والموشوم هو الآخر بعلامة (×) أخضر وسطه، تحيط به سلسلة ضيقة من العقيق الأسود الصغير ثم ابتسمت كأنها علمت بخوفها ذاك تهتف بلهجة لم تفهمها فاطمة: الجمال غدار، والدنيا دوارة ولكل حال مرتحل!

سلسلة الأزهار و الزمن.. ج4 .. وجيب الريفان ..للكاتبة المبدعة..منى لطيفي ...حيث تعيش القصص. اكتشف الآن