الفصل التاسع
ظن بأنه تخلص منها حين طلب منها الرحيل وتسلل ليكمل عمله بعد أن اطمأن على العامل الذي أفقده وعيه ليرتدي ثيابه، ينقل المتبقي من الحاويات وينتظر الشحنة الثانية لكنه وما إن انتهوا وتدبر أمر مكان جيد للتلصص شعر بمن يتحرك خلفه، فاستدار ليلمح وريقات الشجر تهتز. ضاقت مقلتاه بريبة وعاد إلى تلصصه مدعيا عدم الاكتراث ثم فجأة خطا ليتفقد خلف الشجرتين ليجدها ملتصقة بجدع احداهما تنظر إليه بترقب عابس.
زم شفتيه يكاد ينفجر من هذه المصيبة، منذ أن تعرف إليها ورغبة قوية بالفتك بها تتملك أحشائه كما لم يشعر نحو أي أنثى مهما بلغ نفوره من أفعالها لكن عليه الصبر لعله يصل لنتيجة معها، لقد وعد نفسه: لماذا لم ترحلي بعد؟ لقد تأخر الوقت.
لم يغادرها حذرها بينما تجيبه: أريد رؤية الشحنة الثانية قد أعرف ماذا يحملون بها؟
زم شفتيه ثم رد عليها: لن تريها، لقد أدخلوا الشاحنة مرأب الدور الأرضي وأغلقوا البوابات، جميع العمال رحلوا، وكنت سأرحل أنا أيضا فلا يجب أن نستنفذ حظوظنا.
كأنها لم تقتنع لكنها أومأت باستسلام وهمت بتجاوزه، فاستدرك يفكر بأنها قد لا ترحل وتتسلل من خلف ظهره لتحاول الاستعلام عن الشحنة الثانية: ألن يقلق عليك أهلك؟ إنها الساعة الثانية بعد منتصف الليل.
توقفت، تجيبه ببرود: أهلي يثقون بي ويعلمون بأن عملي له ظروف خاصة تعوّدوا عليها.
أمال رأسه ولم يكن ينظر نحوها حين نطق بكلمات هزت قلبها بطريقة مخيفة ومؤثرة في نفس الوقت، ليس فقط طريقة وقوفه أو شرود نظراته التي بدت لها من خلال إنارة الشارع العمومية واجمة، بل من عمق النبرة وصدقها: ليست مسألة ثقة، أستغرب حال أهلك، إن كانت والدتي ثم عمتي من ربياني لا أستطيع تحمل شعور القلق عليهما وأنا متأكد بأنهما في المنزل آمنتين وخروجهما يكون لحاجة ومؤمن أيضا، فماذا سيكون شعوري نحو ابنتي؟ لا... ليست مسألة ثقة أبدا، إنه شعور صعب لا يطاق.. هيا لأقلك إلى حيك.
ثم تجاوزها وهي ثابتة في مكانها كتمثال قُدّ من حجر حتى عاد إليها يضيف بضيق وقد ظن بها الرفض : لا تملكين وسيلة نقل ولن تتصلي بالضابطة فضل الله صديقتك لتقلك في هذا الوقت من الليل! لقد كانت في إجازة اليوم على أي حال.
أجفلت تسأله بحيرة: ياسمين بإجازة؟! هل هي مريضة؟
لم تكن تسأله ولم يظن ذلك وهو يجيبها بتهكم: تسألينني أنا؟
تحركت فتحرك هو أيضا يوجهها نحو سيارته في أول الشارع الثاني بينما يعقب على ما تحاول فعله: لا أظن بأن مهاتفتها في هذا الوقت من الليل مناسب وإن كانت صديقتك.
للمرة الثانية يجفلها فتنظر قبالتها مستسلمة، استسلاما استنفرت له كامل حواسها ومناطق الدفاع بدماغها، هناك ما على وشك أن يتغير بأفكارها العدوانية نحو هذا الرجل وهذا يزعجها على قدر ما يثير داخلها صراعا بين ما تظن بأنها تملكه من دهاء وما تملكه حقا من حس الحرص والحذر.

أنت تقرأ
سلسلة الأزهار و الزمن.. ج4 .. وجيب الريفان ..للكاتبة المبدعة..منى لطيفي ...
Romanceجميع الحقوق محفوظة للكاتبة ممنوع النقل و الاقتباس وجيب الريفان * الجزء الرابع من سلسلة أزهار، أسأل الله تعالى أن ييسر لي ويوفقني إلى حسن الطرح والكتابة بما يرضيه واتمامها بخير إن شاء الله، وأهم ما في الأمر أن تكون مفيدة لقارئها. ☆الجزء الأول أشواك...