الفصل السابع
ظهره يحرقه ولا يستطيع الاستدارة إليها، عيناه على الطريق أمامهم وعقله مع تلك التي تقبع خلفه، يود التحدث إليها عما حدث لكنه لم يجد الفرصة بينما هما عائدان برفقة الفتاة إلى الشاحنة ليجمعا البقية ويتحركوا بإشارة من أفرادٍ معينة من الجيش الروسي ثم الأوكراني في الجهة الأخرى من الحدود، تلك المافيا نافذة ولها أذرع في كل مكان، طبعا نافذة فكيف يتنقلون الآن بشحنة بشر مؤمنة علي طول الطريق الطويل بين روسيا وبلده!
-يمكنك التحدث حتى لا تنفجر!
أجفلته بنبرتها الفريدة في نغمات صوتها، دوما تبدو كأن مخارج حروفها بها جرح ما.
نظر إلى السائق يتوقع إدراكها لما يقصده، فتجيبه بنفسه الهدوء: إنه أمين، لا تقلق!
صمت للحظة يفكر، فاستدركت ببرود: مافيا اتنيشيسكي ليست مافيا دماء إنما مرتزقة وهذا يعني، ربهم السلاح والهواء الذي يتنفسونه المال، لا رباط بينهم ولا وفاء وحين يختفي عنصر منهم يبحثون عنه حتى يتأكدون من أنه ميت، لا يحققون بمقتله لأنه مرتزقة وأعداءه لابد كثر.
أسدل جفنيه بينما هي تضيف بلمحة غيظ بالكاد لمسها بنبرة صوتها: لكنك تعرف كل ما قلته ورغم ذلك تبدو وكأنني قتلت ناسكا بمحرابه!
ارتفع جانب شفتيه ببسمة خفيفة، يجيبها بما يفكر به: حسنا، أنا أعرف الفرق لكن اتنيشيسكي بالروسية تعني العرقية، لذا لست متأكدا مائة بالمائة من مسألة عدم اكتراثهم لعناصرهم.
شعر بها تقترب قليلا لتخبره بجمود وقد التقط بسمة السائق الساخرة، فذاك الأخير لا يطيق الكمامة ولا تغطية وجهه باللثام، فينزعه أحيانا بينما يمسك المقود يحركه بصمت مدقع كأنه شبح يقود بهم نحو المجهول: فيكتور فابيل من أطلق على عصابته ذاك اللقب، وصدقني حين أخبرك بأنه يقصد به نفسه فقط لا غير.
عبر الصقيع جنبات صدره، هذه المرأة تخفي الكثير من السواد الذي لا يريد الاقتراب منه حاليا، لذا قرر تغيير دفة الحوار: وماذا عن الأفراد خلفه؟
لم يكن بحاجة للشرح أكثر، تجيبه بينما تسترخي بظهرها على مسند المقعد: لا أحد منهم مجبر أو مخدوع، ومنهم مدسوسين منا لكن حتما البقية باعوا أنفسهم برغبتهم، لم أكن لأضحي بنفوس بريئة مهما بلغت أهمية حربي عندي.
مجددا تلك اللمحة المريرة، تجاهلها يعلق باقتضاب: أنقذتها رغم ذلك!
التقطت أذناه زفرة أنفاسها ولم تجبه، فصمت هو الآخر يراقب الطريق الموحش والممتد أمامهم كأنه بلا نهاية.
**
(بعد أيام)
أغلق باب الشقة وكالعادة مسح أسفل حذاءه بمنشفة أرضية مبللة بالكلور والماء قبل أن ينزعه عن قدميه ليضعه داخل خزانة الأحذية جوار الباب ثم أزال المعطف ليعلقه على المشجب وتوجه نحو الحمام مباشرة حيث أزال عن جسده التعب وأي شبهة فيروس قد يكون علق به، وبحرص تخلص من الكمامة القديمة ودس ملابسه بآلة الغسيل قبل أن يتوجه إلى غرفة الجلوس حيث قاده صخب الحديث.

أنت تقرأ
سلسلة الأزهار و الزمن.. ج4 .. وجيب الريفان ..للكاتبة المبدعة..منى لطيفي ...
Romanceجميع الحقوق محفوظة للكاتبة ممنوع النقل و الاقتباس وجيب الريفان * الجزء الرابع من سلسلة أزهار، أسأل الله تعالى أن ييسر لي ويوفقني إلى حسن الطرح والكتابة بما يرضيه واتمامها بخير إن شاء الله، وأهم ما في الأمر أن تكون مفيدة لقارئها. ☆الجزء الأول أشواك...