الفصل السادس عشر

1.5K 84 9
                                    


الفصل 16

*روسيا*

ترجل من السيارة مرهقا من الرحلة الطويلة ولحق بخاله جعفر بينما يتلفت حوله يفحص المكان بنظرة شاملة، بناية على طول الشارع من طابقين بواجهات محلية في الطابق الأول وشقق للسكن على ما يبدو في الطابق الثاني.

أشار له جعفر قبل أن يدفع باب محل تبين له بأنه محل لبيع الملابس، فدق قلبه بعنف وبلع ريقه عبر حلقه الجاف، يبحث بعينيه قبل خافقه عبر المساحة العارضة لملابس للأطفال الصغار، حتى ظهرت له فتاة في مثل عمره تعرّف إليها منذ أن أطلت عليهما باسمة تهرول لتضم خاله ثم التفتت إليه لتتجمد لكن ليس بصدمة وكأنها كانت متوقعة حضوره، إنما مترددة ومتوترة كمن ينتظر الرفض أو الإعراض.

ظل يحدق بها ويحاول العودة في الذاكرة لسنوات يراها طويلة ويشعر بها قلبه قريبة، قريبة جدا لكنه فشل في استرجاع وجهها في ماض دحره بقهر ليتفادى نار الوجع، لكن ظهور إمرأة أخرى أكبر بالعمر شلت أطرافه وأثقلت قدميه! إنها كما يذكرها بحجابها المحيط بوجهها الطويل وعينيها الواسعتين وأنفها المعقوف قليلا، إنها كما يذكرها بملامح تمزج بين قسماتها البسمة الحزينة والكثير من العاطفة تشع من نظراتها حتى دون مجهود بذكر.

:ولدي!

كانت قد وصلت إليه تضمه بشدة تتشمم رائحته وتئن بألم ووجع السنين التي حرمت فيها من ابنها، تلك السنوات التي تجلدت فيها بصبر يوازي ثقل الجبال بينما تختار أهون الشرين وأيهما كان عليها أهون؟ لقد تعذبت وما تزال إلى أن لمحته! ابنها وفلذة كبدها الذي حرمت منه ولسنوات احترق بفراقه قلبها المكلوم... آه من ألم الفراق وعذاب الحرمان!

سالت دموعها بينما تدس وجهها بحضنه وهو جامد لا يتحرك، فنظرت الفتاة إلى خالها بحزن وتساؤل فهز كتفيه بقلة حيلة حين رن هاتفه بدخول رسالة، سحبه ليطالعها توقعا لأمر ما في العمل لكنه هو الآخر تجمد وشحبت بشرة وجهه مما استرعى انتباه الفتاة التي اقتربت منه تمسك بذراعيه، تسأله بنبرة شبيهة بخاصة أمها وبلغة أمها، لغة وطنهم وكان ذلك تفكير همام الذي نظر نحوهما مقطبا يرنو خاله المختنق يحل رابطة عنقه وعينيه لا تحيدان عن شاشة الهاتف: ما بك خالي جعفر؟ هل أنت بخير؟

تركته والدته فشعر بصقيع موجع أعاد إليه شعوره الأليم حين وجد نفسه مرة واحدة قد انتزع من أحضانها الدافئة، مجبور على العيش بعيدا عنها محروم من عطفها وحنانها.

:ما بك يا أخي؟

بلع الرجل ريقه وحرك رأسه مرات عدة قبل أن يتمكن من النطق بتقطع: يقو... ل... بأن ر.... ح...يل ...ابني... قد يكون حيا!

راقب همام ملامحها كيف تشنجت وتغيرت من حزن غائر إلى صدمة شحب لها وجهها هي الأخرى تعقب بذهول: ماذا؟ من أخبرك وهل الخبر صحيح؟

سلسلة الأزهار و الزمن.. ج4 .. وجيب الريفان ..للكاتبة المبدعة..منى لطيفي ...حيث تعيش القصص. اكتشف الآن