الفصل 18
***
ارتدى الملابس الواقية وقناع الوجه الطبي ثم دخل الغرفة التي أنزلوها بها بعد أن ظلت ولثلاثة أيام بالعناية المركزة، توقفت قدماه قرب الباب غير قادر على التقدم ينظر إليها من هناك، راقدة مغمضة العينين وجل وجهها مختف تحت قناع الأكسجين.
يراقبها بنظرات متلهفة، واجمة وحزينة، إنها نحيفة عن آخر ما وصله من صور لها، هل كان ليستطيع الحياة دون أن يراها، يخاطب صورها ويهمس لظلها بأوجاعه؟ لم يكن ليستمر وربما كان ليضع نهاية لحياته، لقد كان جبانا وضعيف الإيمان كما كانت شقيقته تنعته دوما كلما شعرت بيأسه وإحباطه، تذكره بمصعب وما وصلت إليه حاله هو الآخر فكان ذلك يشد من أزره، فتمده صورها ومعرفته بكونها بخير بالصبر والرغبة بالاستمرار.
تقدم خطوة واحدة ثم توقف مجددا، يتتبع تفاصيلها بشَرَه... لم يكن يظن بأنه سيراها مجددا على أرض الواقع، بل لم يكن يظن بأنه سيعود لتعانق قدماه أرض الوطن ولا عيناه مرآها الحبيب الى قلبه! قلبه الذي تلوى بنار العذاب فأحرقه ولم يتألم سواه، نار الفقد ونار البعد إنها لنار أليمة محرقة.
تقدم أخرى ولم يتوقف حتى لمس جانب السرير بساقيه فيطرق برأسه يملأ كل ما فيه من فراغ داخل أحشائه بملامح وجهها المسترخي، كم تبدو المظاهر خادعة بتلك القسمات المشعة نورا والساكنة بسلام وهو الذي يعلم بما تحويه جنباتها من عذاب وكيف تغلي أحشاؤها بوجع الفقد مثله تماما.
هل كان ليتشجع ويأتي إليها لو لم يدفع به الخبر عن ابنه دفعا إلى القيام من يأسه وألمه؟ القيام بقوة وقسوة ستدمر الجميع في طريقه نحو إيجاد ابنه!
انبسطت كفه تحوم فوق وجهها تتبع طريقها دون لمس بشرتها، فاقدا الإحساس بالزمان حتى رمشت بجفنيها وتحرك رأسها قليلا، فسحب كفه قابضا عليها بقوة مترقبا لفتحها لعينيها وما إن فعلت حتى توقف به الزمن بالفعل وفقد احساسه بالمكان أيضا يطلق العنان لقلبه الذي غلفه بمشهد من الماضي حين رآها أول مرة في المستشفى الحكومي تبتسم بطريقة مبهرة كأنها طفلة داخل مدينة ملاهي وقد تملكه الاستغراب من شعوره ذاك ليدرك بعدها بأنها طالبة في السنة الثالثة في كلية الطب وقد بدأت التدريب داخل المستشفى حديثا.
بلع ريقه غارقا بنظرات عينيها اللتان توهجتا بما يتمنى أن يطابق إحساسه بالشوق والحب الكامن بصميم لهفتها برؤيته لكنها لحظات وانطفأ ذلك الوهج ليظل مكانه حقيقة الواقع المر، حزن، عذاب، شجن وعتاب.... ليس له إنما لها وهذا أكثر ما كان يدفعه للفرار، إنها تلك النظرات الصادقة بعذابها والناطقة بوجعها وهو لم يتحمل ولا يتحمل، فتنهد يقول بنبرة مكتومة: من فضلك توقفي عن ذلك، أنا لم أتحمل ولا أتحمل الآن!
اتساع طفيف بعينيها أبلغه بأنها كانت تعيش حلما برؤيته ولم تصدق بأنه حقيقة، هل تحمل نفسها الذنب وتنظر إليه بتلك الطريقة المؤلمة حتى في أحلامها؟
أنت تقرأ
سلسلة الأزهار و الزمن.. ج4 .. وجيب الريفان ..للكاتبة المبدعة..منى لطيفي ...
Romanceجميع الحقوق محفوظة للكاتبة ممنوع النقل و الاقتباس وجيب الريفان * الجزء الرابع من سلسلة أزهار، أسأل الله تعالى أن ييسر لي ويوفقني إلى حسن الطرح والكتابة بما يرضيه واتمامها بخير إن شاء الله، وأهم ما في الأمر أن تكون مفيدة لقارئها. ☆الجزء الأول أشواك...