الفصل الثامن
***
ترجل أحمد من السيارة قبالة منزل جده مصطفى الشهدي، تلك التي اقتنوها حديثا وتأكد من إغلاقها بعد إنذار علي له آخر مرة نسي وضعه الجديد وترك المفتاح بمكانه كما تعود الفعل في قصر الجندي، يؤلمه ما آل إليه حاله رغم ما يبديه من تجلد وصلابة، لا يستطيع التحكم بوجع كبريائه لكن على الأقل يستطيع إخفاءه تحت قناع الجمود وقوة التحمل، هو أحمد الجندي لن يمنح أحدا فرصة ومتعة النظر إليه بعين الشفقة أو التشفي.
كان يطالع هاتفه في غرفته قبل أن يغير ملابسه على الكرسي جوار نافذته، لم يكن يريد العودة من عمله ود لو يعمل ليل نهار يلوذ بمكتبه الذي ولحظه به حمام وأريكة، لكن الأمر لا يروقه أو الأصح لم يتعود عليه بعد، يفتقر للرفاهية والفخامة التي نشأ عليهما والآن يضطر لفعل أمور كثيرة بيديه منها الاهتمام بملابسه واعلام والدته بالمتسخة منها ثم الحمام بمكتبه ليس مجهزا كالذي بالقصر ومكتبه السابق، وأشياء أخرى يضطر للتنازل عنها فلن يتحملها تكلفتها وبذمته حقوق يجب أن يعيدها لأصحابها.
أجل حقوق! حقوق أفراد عائلته المشتركين بإرث الجندي وضيعها هو، يجب عليه الكد ليحقق أرباحا ويقوم مجددا من رماد محرقته وحينها سيقسم الحصص كما كانت بأملاك عائلة الجندي، سيفعل! وكل من أرضاه رؤية فشله سيموت كمدا بنجاحه.
أرخى رابطة العنق في نفس اللحظة التي التقطت فيها نظراته إشعارا برسالة، فتصلبت عضلتا فكيه بقوة حتى برزتا بخصلات لحيته الشقراء واحتدت نظراته، إنها صورة أخرى غمره القين بمحتواها قبل أن يفتحها ليحدق بها، منذ أن وطأت قدماها أرض الوطن وصلته صورتان وهذه الثالثة.
ارتخى على مسند المقعد يتابع تفاصيل الصورة، لم يحذف السابقة كما لم يعد إليها لكنها حُفرت بعين خياله يستعيدها رغما عنه كلما أخذ هدنة من العمل.
ترى من أرسل له الصورتان؟ هل هو فياض الداني؟
أمال رأسه يحدق بالمعني يلتقط كف لورين يقبل ظهرها وهي متبسمة بتوتر، يعرف ذلك جيدا، لم تكن بتلك الملامح ولم تهتز بسمتها حين قبل ظهر كفها مرات تجرأ فيها ضد قناعته يناطح شيئا ما بصدره كلما تعدى خطا يعلم يقينا بأنه نشأ على اتقائه.
ما كانت أرباحه مجددا؟ طرح السؤال برأسه وأغلق شاشة الهاتف في غمضة عين وقد التقطت أذناه وقع أقدام مع هتاف مكتوم توضح بينما يليه دقات على باب غرفته.
-ادخل!
نطق دون أن يتحرك عن مقعده ووالدته تهل عليه غاضبة المحيا تتبعها عمته إسراء بملامح قلقة ثم والده الذي انحسرت خطواته جوار المدخل يتابع الموقف بصمت.
-كيف تتفق مع عمتك على قرار كهذا دون إخباري؟
ارتخت ملامحه، يجيبها بينما ينهض بروية: لم أكن أعلم بأن قرار زواجي سيغضبك يا ورد.

أنت تقرأ
سلسلة الأزهار و الزمن.. ج4 .. وجيب الريفان ..للكاتبة المبدعة..منى لطيفي ...
Romanceجميع الحقوق محفوظة للكاتبة ممنوع النقل و الاقتباس وجيب الريفان * الجزء الرابع من سلسلة أزهار، أسأل الله تعالى أن ييسر لي ويوفقني إلى حسن الطرح والكتابة بما يرضيه واتمامها بخير إن شاء الله، وأهم ما في الأمر أن تكون مفيدة لقارئها. ☆الجزء الأول أشواك...