خيبة أمل

21 5 0
                                    

دخلَ مكان عمله مستعجلًا وهو يحملُ سترته بيده بدلًا من ارتدائها دون أن يتجرأ أحدهم على القاء التحية له كالعادة ما دام بعلامات غضبه الهائج و سرعته الهائلة في سيره

وصلَ لمكانه المطلوب ليسألَ الجالسَ على المكتب أمامه سريعًا برسمية رغم رغبته التامة في الحديث بلغة تناسب اضراب مزاجه
"هل السيد جيمس متواجدٌ في مكتبه حاليًا؟"

تردّد في إخباره خوفًا من دخول كريس المفاجئ عليه بلا إذن منه كما فعل سابقًا ولكنه خشيَ منعه في نفس الوقت
"هل الأمر مستعجل؟"
سأله بالمقابل دون الادلاء بإجابة

لم يطل كريس الحديث معه ولكنّه تجاوزه داخلًا لتلك الغرفة التي يقبع بابها بجانبه مباشرة مما دفعه للحاقِ به على عجلة
"كلا سيد كريس أرجوك لا تتسبب بالإحراج"

فتح البابَ بعنفٍ مقبلًا باهتياج نفسه و منتفخ الأوداج ليشهد ذلك الرجل المسن المستوطن في لبّ مكتبه الواسع وهو يحملق بالأوراق المبعثرة أمامه بعينيه الحادتين الغائرتين بتفاصيل وجهه المجعّدة ليومئ بخفة لمساعده من خلفه مشيرًا له بأن أمر كريس تحت سيطرته

كما أنّ كريس لاحظَ ابنته الوحيدة الجالسة بالكرسيّ أمامه بابتسامتها الواسعة التي بدأت له أقرب للسخرية

"حسنًا، لعلّي أفهم سبب فقدانك لأعصابك كريس ولكن هل لي بأن أعلم سبب قدومك إلي؟ تعلم جيّدًا بأن الأمر لن يتغير"
قال بعد أن وقفَ من كرسيّه مترصّدًا لردة فعل من أمامه وكأنه قد استعدّ لها سابقًا

التهبت أعصابه ضجرًا واعتلى اليأس وجهه بسبب عجزه عن الصراخ في موقفٍ كهذا ولكنّه استجمع نفسه بعد أن أطلقَ أنفاسه متأفّفًا
"هل لي بأن أختلي به للحظة؟"

سألَ الجالسة أمامه دون أن ينظر لها بينما كانت تتظاهر بانشغالها بهاتفها المحمول لتمسكَ خصلات شعرها بتلاعب مستعدّةً للجدال معه

كانت لترفضَ أمره بسبب عنادها ولكنّ نظرةً واحدةً من والدها أشارت لها بأن تلبّي أمره على الفور، وكذلك فعلت بلا نقاش

تحدّث كريس على الفور حال سماعه لصوت وصد الباب
"ألا تشهدُ تعبي المفرط وحرصي الزائد على نجاح هذه القضية؟"

"تعبك غير مهمٍّ كريس، توقّف عن الحديث بعاطفتك الزائدة وحكّم عقلك، لدى السيد ويليام سببٌ وجيه في إبطال القضية كما أنّ ولده بين أحضانه على حسب أقواله"

ضحكَ كريس ساخرًا رغم غضبه ليخفي انفعاله
"على حسبِ أقواله؟ ومنذُ متى وأنتَ تصدّق قول المتّهمين بلا دليلٍ قاطع؟"
سأل المحقّق الأكبر منه مكانةً وخبرة ثمّ أضاف
"تعلمُ جيدًا بأنّ هيلتون مفقودٌ تمامًا بلا أثر ولن تستطيع انكار الأمر حتى ولو بكذبة"

جلسَ من جديد مستندًا على كرسيه المتحرّك بعدَ أن أطلق تنهيدةً عميقة ليحاول كسبَ صوت كريس عن طريق اقناعه
"أنت شابٌّ يافع لذا فمن الطبيعي أن تعتقد بأنّ المشاكل التي تواجهك كهذه عبارةٌ عن عقباتٍ يجدرُ بكَ تحديها، إلّا أنّني أخبرك بنصيحتي كريس، عليك تخطي العقبة بتجاهلها عوضًا عن هدر طاقتك بلا معنى"

صمت للحظة ثمّ أضاف بعدَ أن عجز كريس على الرد عليه وهو يتناولُ سجارته ليشعلها بإهمال
"أخبرك بذلك من أجلِ سلامتك، أنت تتعاملُ مع شخصٍ بلغَ نفوذه لمرحلةٍ لا تتصورها، ولن تستطيع تصديقَ ما هو قادرٌ على فعله إن تدخّلت بأموره"

سخر كريس من تلقي حكم الحياة من العجوز أمامه بنفسه ثمّ وجّه أسئلته التي تنص على خيبة أمله
"هل أنتَ هو الشخص نفسه الذي أخبرني بأن لا أخضع لأي سببٍ يقفُ بيني وبين الحقائق؟ أم هل كنتَ يومًا مصدرُ إلهامي وقدوتي التي أحتذي بها؟"

لم يتلقّى سوى صمتٍ من السيد جيمس الذي نفثَ الدخان باستهتار دون أن يعيرَ لكلامه انتباهًا
"لا أعلمُ عن ما فعله ويليام لتنحني لصفّه سيد جيمس، ولكنّني أخبرك بأن تضعَ ببالك بأنّني لن أخضع له مثلك"

لم يتسبّب كريس سوى بغضبٍ عارمٍ لرئيس قسمه الذي انفعل على الفور ناطقًا بنبرته الحادة الغاضبة
"هل تتّهمني بأخذ الرشاوي كريس؟"

سيطر كريس على غضبه بالمقابل خشيةً من أن يؤخذ بكلامه كدليلٍ ضدّه، فليس من عادته الاتهام بلا أدلّة
"قطعًا! لم ألمّح لذلك بشيءٍ من كلامي لذا فلا تسئ فهمي"
كان جيمس يرى تلك الكذبة المتلبسة في عينيه كما يعلمُ كريس بأنّه فهمها

اختارَ الصمت القاطع مع تحديقةٍ مطوّلة ليكسر ذلك كريس
"حضرتُ لمكتبك في الأصلِ لطلب إجازة"
طرأ الأمرُ عليه فجأة ليقول بثقةٍ لقبوله

"كريس مدمن العمل يطلبُ استراحةً؟"
سأله ساخرًا وهو يعلمُ جيّدًا سبب طلبه ولكنّه اختارَ مجاراته

"ومن الغد"
أضافَ كريس ليومئ الآخر بالقبول وكأنّه يتحدّاه بما سيفعلُ مستقبلًا

خرجَ من تلك الغرفة بأعصابه التالفة إلّا أن الحماس قد راوده لرغبةٍ عميقة في تحقيقِ مبتغاه وكسر أنف ذلك العجوز الذي خالفَ آماله

أمسكت بمعصمه تلك الفتاة الجريئة لينزعها بسرعة خشيةً من أن يراه أحدُ المارة من هنا
"أنا من يجدرُ بها بأن تشعر بالخزي منك!"
قالت بعد أن شعرت بالإهانة

"لن أطيل الحديث معكِ مارينا، مالذي ترغبين به؟"
سألها مستعجلًا وهوَ يسيرُ أمامها بينما تلحقُ به
"يبدو بأنّكَ نسيت بأنّ محفظتي بحوزتك"

توقّف فجأة بعد أن ذكر الأمر أو أنّه تناساه بالفعل
"كان يجدرُ بي بأن أسلّمها لوالدك، لمَ لم يطرأ الأمر لي ياترى؟"
حاولَ استفزازها لتشتعل غضبًا وخوفًا بنفس الوقت

أخرج محفظتها من جيبه الأيمن ثمّ مدّت يدها لتلتقطها ولكنّه سرعان ما رفعها عاليًا ليقول بنبرته المهدّدة الهادئة
"سأعطيكِ ايّاها هذه المرة بسهولة ولكن ايّاكِ والتدخل بأموري مستقبلًا وإلّا فلن يسرّك بما سأقحم والدكِ فيه"

صمتت للحظة ثمّ كتّفت يديها لتقول بابتسامة تخفي انزعاجها
"إذًا فاحتفظ بها، لأنّني سأتدخّل بجميع أمورك من الآن وصاعدًا أيّها المحقق"

ضحايا هيلتونحيث تعيش القصص. اكتشف الآن